ربما استمعت مراراً لأغنية المطربة ميادة الحناوي "مهما يحاولوا يطفّوا الشمس، مهما يزيدوا علينا الهمس!". ولكن هل تساءلت من قبل ماذا سيحدث لو قمنا حقاً بـ إطفاء الشمس؟ سؤال جيد فعلاً. فماذا لو أننا مثلاً سكبنا دلو ماء بحجم الشمس عليها، ما الذي سيحدث؟ هل حقاً ستتبخر الشمس ونغرق في الظلام لبقية حياتنا على كوكبنا. أم أنها على سبيل المثال ستنفجر وتبتلعنا في انفجارها ذاك؟
بدايةً وقبل أن نناقش هذا الأمر علينا أولاً فهم ماهية الشمس تماماً حتى نستطيع تخيل ما سيحدث، لأنك إن كنت تتوقع أن الأمر لن يكون أكبر من أن نغرق في الظلام الدامس كما نفعل عند نُطفئ التيار الكهربائي، فأنت لا تدري شيئاً.
ما هو كوكب الشمس؟ ومم يتكون؟
الشمس ليست ناراً كالتي توقد الشمعة، بل إنما هي نجم غازي ملتهب نشأ
منذ أكثر من 6.4 مليار عام. الغازات الداخلة في تكوينها هي الهيدرجين بنسبة 70%
والهيليوم بنسبة تصل إلى 28% بينما يشكل كل من الأوكسجين والكربون والنتروجين نسبة
1.5%، أما النصف بالمائة المتبقي فيشكل كميات صغيرة من مختلف العناصر الأخرى،
كالحديد والسيليكون والكبريت والمغنيزيوم. لمعان هذا النجم يعود إلى كونه يقوم
بعملية تحويل الهيدروجين إلى هيليوم عبر الاندماج النووي وسط درجات حرارة عالية
جداً.
يسود معتقد بأن النظام الشمسي بالكامل قد تكون بفعل انهيار السديم الشمسي. وهو سحابة عملاقة تكونت من الغبار والغاز وبسبب جاذبيته الكبيرة انهارت وهي تدور بسرعة كبيرة متحولة إلى قرص الشمس. وبفضل هذا الانهيار العظيم أصبحت الشمس تمتلك وقوداً نووياً يكفيها لتحافظ على بريقها كما هو الآن لخمسة مليارات سنة أُخرى.
ما الذي نحتاجه من أجل إطفاء الشمس بالماء؟
هذا سؤال جيد علينا طرحه قبل أن نتخيل سيناريو سكب الماء على الشمس.
سنحتاج إلى كمية هائلة من الماء لإطفاء الشمس، وهذه الكمية تشكّل مشكلة رئيسية
بسبب كونها غير متوفرة على الأرض. ولو افترضنا توفيرها فإننا سنواجه مشكلة ثانية؛
ألا وهي أن هذه الكمية من الماء ستتجمد فور وصولها للفضاء الخارجي. وفي حال حللنا
المشكلتين السابقتين فإننا سنجد أنفسنا أمام مشكلة ثالثة؛ فالماء سواء كان متجمداً
أم سائلاً سيتبخّر بمجرد الاقتراب من الشمس قليلاً بسبب درجة الحرارة العالية
للشمس.
بفرض استطعنا إيصال الماء للشمس ماذا سيحدث؟
طالما أن الشمس ليست كما الشمعة فإن الماء لن يساهم في إطفاءها أو حتى إخمادها. أي أنه لن يتسبب سكب أي كمية من الماء على الشمس في إطفاءها. وعوضاً عن ذلك فإن الماء سيؤدي إلى زيادة اشتعال الشمس. احتراق الشمس هو اندماج نووي وليس احتراق كيميائي كما ذكرنا. ففي عملية الاحتراق العادية (الكيميائية)، يتم إعادة ترتيب الروابط الإلكترونية بين الذرات دون أن تتغير نوى الذرات نفسها على الإطلاق. أي عندما نسكب الماء على نار مشتعلة، فإن الماء يمتص الحرارة مهنا، ويبرّدها إلى درجة أن التفاعل الكيميائي الذي يسبب الاحتراق لا يمكن أن يستمر.
طبعاً لو افترضنا خلق كمية المياه المناسبة في لحظة ما أمام الشمس
وقمنا بسكبها عليها مباشرة، فإن ذلك لن يطفأها أيضاً. الشمس تستمد وقودها الرئيسي
من الهيدروجين وعند سكب الماء عليها فإن بخار الماء الناتج عن اتحاد ذرتين من
الهيدروجين مع ذرة أوكسجين سيتحول إلى وقود يزوّد الشمس لتشتعل وتشع أكثر فأكثر.
وبسبب ازدياد شدة الاحتراق ستبدأ الشمس بفقدان لونها الأصفر متحولاً إلى اللون
الأبيض المزرق، وحرارتها ستصبح أشد وستزداد اشعاعاً. أي أن نسبة الأشعة فوق البنفسجية
التي تطلقها ستزداد إلى درجة أن يعجز غلافنا الجوي أن يحمينا منها. وحرارة كوكبنا
لن تبقى كما هي بل تزداد بشدة لتتسبب بتبخر مياه المحيطات والبحار. وهذا بالطبع
سيؤثر على سكان كوكبنا الأحياء بشتى أنواعها.
ووفقاً لنظرية العالم ألبرت آينشتاين فإن ازدياد الطاقة يعني ازدياد
الكتلة، هذا يعني أن سكب الماء أو بخار الماء بكميّة مناسبة إلى الشمس سيتسبب في
زيادة كتلتها وبالتالي زيادة طاقتها وإشعاعها. هذا الازدياد في الطاقة يعني زيادة
استهلاك الشمس لوقودها ما يعني التسبب في تقصير عُمر الشمس الذي يُقدر بخمسة
مليارات سنة كما ذكرنا سابقاً إلى بضعة ملايين من السنوات متناسبة مع كمية الماء
الذي سكبناه.
ماذا لو استطعنا نقل الماء بسرعة الضوء وسكبه على الشمس لإطفائها؟
لن نستطيع إطفاء الشمس حرفياً، ولكن تلك الحركة ستؤثر بالتأكيد على
جاذبية الشمس مما يسبب دمارها الذي يعني أننا سنتجمد حتى الموت. وستفقد الكواكب التي تتخذ من الشمس مركزاً تدور حوله هذا المركز، مما يؤدي إلى اندفاعهم في الكون الواسع دون وجود نجم
مركزي يحافظ على مساراتها.
ما سبق الحديث عنه هل تطبيقه ممكن أن يتحقق ذات يوم؟
بالطبع لا، فإن نظرية إطفاء الشمس التي طرحناها يستحال تطبيقها بسبب
عدم توفّر أي شرط من شروط تنفيذها. حجم الشمس يضاهي حجم كوكبنا جداً، فالأرض تبدو
كنقطة صغيرة أمامها. ولإنجاح النظرية نحتاج كمية من المياه تزيد عن ثمانية أضعاف
كمية الماء المتوفرة على سطح كوكبنا. مجتمعة بالبحار والبحيرات والأنهار وحتى مياه
الصرف الصحي الغير صالحة للاستخدام. ولو استطعنا تأمينها نقف عاجزين أمام فكرة
نقلها إلى الفضاء عبر مسافة 150 كم باتجاه الشمس دون أن يحول جو الفضاء بتجميدها.
ختاماً عن إطفاء الشمس..
إطفاء الشمس هو مجرد نظرية لا يمكن تطبيقها، وحتى بتطبيقها لن نستفيد شيئاً. بل على العكس سنتضرر وسنؤذي كوكبنا الأزرق الجميل وسنكتب نهاية لا عودة منها لحياة الكائنات الحية على سطحه. لذا دعك من التفكير العميق في تنفيذ الفكرة وأعد الاستماع إلى أغنية مطربة الأجيال ميادة الحناوي، مهما يحاولوا يطفّوا الشمس. فالأمر لن يعبر أكثر من معاني كلمات هذه الأغنية.