لابد أنّ مشاعر الدهشة ارتسمت على وجهك عندما استمعت إلى صوتك مسجّلاً للمرة الأولى. لست الوحيد الذي شعر بذلك، بل إن الأمر أثار جدلاً كبيراً. ليتحدث عنه الأطباء وعلماء الصوت، ويُجرون فيه التجارب والأبحاث. ولكن إذا كنت تعتقد أنّ صوتك يبدو غريباً عندما تسمعه في التسجيلات الصوتية من هاتفك المحمول، فقد تغير رأيك بعد الاستماع إلى أول تسجيل صوتي في التاريخ.
أول صوت تم تسجيله في التاريخ
ولِد بائع الكتب وعامل الطباعة الفرنسي إدوارد ليون سكوت دو مارتنيفل، في 25 نيسان 1817م. جعله حبه للقراءة والبحث يتساءل حول إمكانية تقليد آلية عمل العين البشرية لاختراع آلات للتصوير وطباعة الصور على الورق. ومن هنا ظهرت لديه فكرة تسجيل الصوت محاكياً بذلك طريقة عمل الأذن في جهاز الفونوتوغراف. والذي حصل على براءة اختراعه عام 1857م.
يتألف الجهاز من أنبوب صوتي يحتوي بنهايته على غشاء مصنوع من الورق المرن. يتم التحدث من الجهة الأخرى للأنبوب فينتقل الصوت ويسبب اهتزاز الغشاء. الذي ينقل بدوره الاهتزازات إلى قلم يدوّن الموجات الصوتية على شكل انحرافات تبرز كخطوط على الورق المطلي أو الزجاج.
واستطاع دو مارتنيفل من تسجيل أول مقطع صوتي في التاريخ باستخدام الفونوتوغراف. ولكنه لم يجد طريقة لإعادة سماع الصوت المسجّل. ولم نتمكّن من الاستماع إليه حتى عام 2008م، وهو صوت دو مارتنفيل ينشد "تحت ضوء القمر".
تسجيل الصوت باستخدام الفونوغراف
نجح دو مارتنيفل بأول عملية تسجيل صوتية في التاريخ ولكنه فشل في سماع ذلك الصوت. ولم يجد طريقة لتحويل الاهتزازات التي حفرها على الزجاج إلى موجات صوتية بطريقة معاكسة. فتخلى عن فكرة الفونوتوغراف وعاد لحياته الطبيعية. وفي عام 1877م نجح العالم توماس أديسون في صناعة الفونوغراف الذي تمكّن عن طريقه من تسجيل وإعادة استماع الأصوات من جديد. ليُنسب هذا الاختراع الذي أحدث ثورةً في هذا المجال إلى أديسون وينسى العالم قصة بائع الكتب الذي لولاه لربما لم يحالف الحظ أديسون في اختراعه.
توماس أديسون مع الفونوغراف في محتبره |
تطور آليات التسجيل الصوتي
مع الثورة التكنولوجية في القرن العشرين، ظهر الاهتمام بتطوير الفونوغراف ليتحوّل ويأخذ أشكالاً أكثر دقّةً وتطوراً. فظهرت الأقراص الدوارة وأشرطة الكاسيت التي كانت تعمل بنفس طريقة الفونوغراف، فكل آليات التسجيل الصوتي تعتمد على مبدأ تحويل الموجات الصوتية وتردد حركة الهواء إلى اهتزازات يتم ترجمتها وتحويلها لأمواج صوتية من جديد والاستماع إليها.
فجميعها تشترك بمبدأ العمل ولكنّ الاختلاف يكمن في طريقة حفظ الصوت ومعالجته. فالتسجيل الرقمي مثلاً -أحدث طرق التسجيل الصوتي- يقوم بتسجيل المعلومات الصوتية كشيفرات رقمية يتم حلّها وتحويلها إلى أصوات.
وكما كانت جميع الاختراعات في بداياتها حكراً على العلماء أو العاملين في مجالات معينة، فقد أصبحت أجهزة التسجيل الصوتية متاحة لدى الجميع. فلابد أنك لا تحتاج اليوم كالسابق إلى أستوديو وأجهزة ضخمة وخبرة كبيرة للتعامل معها. بل تجد ذلك كله بضغطة واحدة بإصبعك في أي تطبيق لتسجيل الصوت، أو حتى في تطبيقات التواصل الاجتماعي.
لماذا تختلف أصواتنا التي نسمعها في التسجيلات الصوتية
يعود تغيّر الصوت الذي تسمعه في التسجيل حسب الدكتور ييل كوهين مدير مركز علوم السمع في كلية الطب بجامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة إلى سببين رئيسيين. وفي حديثه لموقع Live science صنّف ذلك في أسباب فيزيولوجية ونفسية.
أسباب فيزيولوجية
أوضح كوهين أن تشريح الأذن الوسطى التي تتألف من ثلاث عظيمات مسؤولة عن الإحساس بالسمع. هي سبب ذلك الاختلاف الذي نشعر به. ففي الحالة الطبيعية يتم استماع الأصوات من خارج جسم الإنسان عبر اهتزاز طبلة الأذن، التي تنقل الأمواج الصوتية إلى عظيمات الأذن الوسطى. ومنها إلى الأذن الداخلية التي تترجم تلك الاهتزازات إلى طاقة كهربائية تنتقل عبر الأعصاب إلى خلايا الدماغ.
أما في حالة التحدث فإننا نسمع أصواتنا الخاصة نتيجة تركيب طريقين يصل بهما الصوت إلى الدماغ. فيصل عبر اهتزاز الهواء الخارج من الفم والواصل عن طريق الأذن. وكذلك من خلال التوصيل العظمي حيث يصل الصوت من داخل أعضاء الجسم إلى الدماغ. وهذا ما يفسر سماع الشخص الأصم لصوته عندما يتحدث. فعلى الرغم من أنه قد يكون لديه صعوبة في سماع الأصوات الخارجية بشكل طبيعي، إلا أنه يمكنه أن يشعر بالاهتزازات والصدى الناتج عن صوته الخاص.
أسباب نفسية
فسّر كوهين ذلك في أنّ الناس يعتقدون أنهم يعرفون كيف من المفترض أن تبدو أصواتهم عند سماعها. وهذا سبب رفضهم لأصواتهم عندما يستمعون إليها فتبدو مختلفة عن وقت التحدث. لتقريب الصورة يمكن تشبيه الموضوع بأن تتخيل أنك لم تمتلك مرآة لمدة ستة أشهر مثلاً، وفي هذه الأثناء تتناول الكثير من الطعام وتكتسب الوزن، إذا نظرت فجأة إلى المرآة.. ستشعر بالصدمة.