أعلنت منظمة الصحة العالمية مساء يوم الأربعاء المصادف 14 أغسطس 2024م للمرة الثانية أن انتشار مرض جدري القرود يُشكّل حالة طوارئ صحية على مستوى العالم. وهو أعلى تحذير يمكن أن تطلقه المنظمة. حيث كان أول إعلان لها عن خطورة المرض في 23 يوليو عام 2022م. فما هو هذا المرض؟ وهل هو خطير أو مميت؟ وهل نحن على أبواب جائحة جديدة تخلف جائحة كورونا؟!
ما هو مرض جدري القرود؟
جدري القردة أو حمى الضنك أو فيروس إمبوكس (MPOX). هي جميعها تسميات لمرض فيروسي واحد سببه فيروس جدري القرود وهو فيروس مغلّف يحتوي على حمض نووي ذي طاقين، وهو ينتمي إلى جنس الفَيْرُوسة الجُدَرِيَّة الذي يتبع فصيلة الفيروسات الجدرية.
هو مرض حيواني المنشأ قادر على الانتشار بين البشر والحيوانات. اكتشفه البشر لأول مرة عام 1958م عندما لوحظ حالتان مشابهتان لمرض الجدري بين قردة تم الاحتفاظ بها في مختبر في الدنمارك لإجراء التجارب عليها. ولكن أول حالة بشرية للإصابة بفيروس جدري القردة تم تسجيلها عام 1970م في جمهورية الكونغو الديموقراطية لطفل يبلغ من العمر تسعة أشهر.
وقد بدأت الجائحة الحالية لفيروس إمبوكس بالانتشار حول العالم عام 2022م حيث أعلنت المنظمة العالمية للصحة في 31 أغسطس 2022م أن عدد الإصابات بالمرض فاقت الـ 50 ألف إصابة متضمنة 16 حالة وفاة رسمية تم تسجيلها. ولهذا الفيروس نوعان:
النوع الأول يسبب مرضاً شديداً يصل إلى الوفاة. وقد أودى هذا النوع بحياة ما يصل إلى 10% من الأشخاص الذين أصيبوا به.
أما النوع الثاني فهو الذي تسبب في تفشي المرض على مستوى العالم منذ عام 2022م. ولكن تكون العدوى من هذا النوع أقل. ويبقى على قيد الحياة أكثر من 99.9% من الأشخاص الذين يصابون به.
أعراض جدري القرود
بحسب منظمة الصحة العالمية تظهر علامات الإصابة بجدري القرود في غضون أسبوع من الإصابة ويمكن أن تظهر بعد يوم واحد إلى 21 يوماً من الإصابة للفيروس. وتستمر عادةً لمدة تتراوح بين أسبوعين إلى أربع أسابيع لمن يمتلك مناعة جيدة وقد تستمر لفترة أطول لدى مصاب يعاني من ضعف في المناعة.
وأعراض جدري القردة مشابهة لأعراض الجدري المائي، تتمثل في:
- تورّم في الغدد اللمفاوية.
- طفح جلدي على شكل بثور يكسوها قشرة خارجية وبداخلها سائل.
- الحمى وارتفاع الحرارة الشديد.
- التهاب الحلق.
- الصداع.
- آلام ووهن في العضلات.
- آلام الظهر.
- الوهن.
عادةً تتمثل أول أعراض الإصابة بجدري القرود بظهور الطفح الجلدي بعد الحمى، ولكن ليس بالضرورة أن يكون كذلك. فقد سُجل أن بعض الإصابات بدأت بالأعراض الأخرى.
يبدأ الطفح الجلدي بظهور شكل قرحة مسطّحة تتطور إلى آفات مليئة بسائل. وتسبب حكة شديدة وقد تكون مؤلمة أيضاً. وعندما يشفى الطفح الجلدي، تجفُّ الآفات وتتقشر ثم تسقط عن الجلد.
وقد تظهر على بعض الأشخاص آفة جلدية واحدة أو عدد قليل منها أو قد تنتشر في جميع أنحاء الجسم. بما فيه الكفين وباطن القدمين والفم والحلق والمناطق الحساسة.
ويمكن أن يتعرض المصاب بفيروس جدري القردة إلى مضاعفات أخرى أثناء المرض. حيث يمكن أن:- يصاب الجلد بالبكتيريا مما يؤدي إلى الخراجات أو تلف خطير في الجلد.
- يصاب المريض بالالتهاب الرئوي وعدوى القرنية الذي يؤدي لفقدان البصر.
- الصعوبة في البلع، بالإضافة إلى القيء والإسهال الذي يسبب الجفاف الشديد.
- الإنتان (عدوى في الدم مع استجابة التهابية واسعة في أنحاء الجسم). أو بشكل نادر التهاب الدماغ، والتهاب عضلة القلب أو الموت.
كيف ينتقل هذا الفيروس؟
على عكس فيروس كورونا الذي ينتشر عن طريق التنفس في الهواء، فإن مرض جدري القرود لا يستطيع الانتقال بهذه السهولة، لذا يمكننا اعتباره أقل خطورة بقليل من مرض كورونا من ناحية الانتشار. حيث ينتقل عبر التلامس والمصافحة والاتصال الجسدي بالمصاب لفترة طويلة نوعاً ما ويمكن أن ينتقل من الحيوان إلى البشر، وبين البشر، ويستطيع البشر نقله إلى الحيوانات أيضاً.
وفقاً لموقع BBC البريطاني، تقول البروفيسورة مادلين بارون من الجمعية الأمريكية لعلم الأحياء الدقيقة: "قد ينتقل المرض عن طريق الاتصال بشخص مصاب بطفح جلدي مُعْدي، مثل الجروح وتقرحات الجلد. كما يمكن أن تنتقل عن طريق لمس أشياء لمسها مسبقاً شخص مصاب".
هل يسبب مرض جدري القرود الموت؟
لا يُعتبر بالمجمل مرض جدري القرود خطيراً إلى درجة الوفاة. فحسب أرقام منظمة الصحة العالمية الرسمية: من 1 يناير 2022م حتى 30 يونيو 2024م سجلت المنظمة 99.176 ألف حالة إصابة بمرض جدري القردة مؤكدة مخبرياً، بما فيها 208 حالة من الوفاة فقط.
وعلى الرغم من أن المرض لا يعتبر مميتاً إلا أنه يرافق أعراض مؤلمة تستمر لمدة طويلة نسبياً (2-4 أسبوع)، وقد يسبب أعراض خطيرة ذكرناها آنفاً كـ التهاب الدماغ، وهو ما يؤدي بشكل أكبر للموت.
في تصريح لـ مجلة هيلث، قالت الدكتورة جيل فوستر، مديرة قسم الأمراض المعدية للأطفال في كلية الطب بجامعة مينيسوتا: "في الوضع المثالي؛ إذا أُصبتَ بجدري القرود، فإن الفيروس ينتقل إلى العقد اللمفاوية، ثم يقوم جهازك المناعي باحتوائه. ولكن في حال لم يتمكن الجهاز المناعي من احتوائه فإنه سينتشر إلى باقي أعضاء جسدك كالكبد والطحال، مما سيؤدي إلى رد فعل جهازي كامل".
الوقاية من فيروس إمبوكس (جدري القردة):
يوصي الأطباء كطرق للوقاية من الإصابة بهذا الفيروس عدم الاقتراب أو ملامسة ممن يمكن التكهن بأنه مصاب بالمرض، أو تظهر عليه أحد أعراضه.
كما يجب أن يتم عزل المصاب بغرفة خاصة به، وعزل أدواته الشخصية. وغسل اليدين جيداً بالماء والصابون خاصة قبل أو بعد لمس الطفح والقروح.
ويجب على المصاب ارتداء الكمامة وتغطية الآفات عندما يكون بالقرب من شخص آخر، وعدا ذلك ينصح بترك البشرة جافة ومكشوفة. ويعتبر تطهير الأماكن المشتركة مع مريض بشكل مستمر أمر ضروري لتجنب العدوى.
طرق علاج جدري القرود
حتى اللحظة لا يوجد علاج معتمد خصيصاً من أجل فيروس جدري القرود. وبالنسبة لمعظم الذين يمتلكون جهاز مناعة سليم ولا يعانون من أي أمراض جلدية مسبقة، فإن الرعاية عن طريق استخدام مسكنات الألم تكون كافية للتعافي دون الحاجة إلى علاج طبي.
ولكن بالنسبة لمن يعاني من أمراض مزمنة أثرت على مناعته أو أمراض جلدية فإن التدخل الطبي يُعتبر ضرورياً من أجل محاولة ضبط الفيروس وضمان عدم حصول مضاعفات إضافية خطيرة قد تودي بحياة المصاب.
حالياً يعتبر المضاد الفيروسي تيكوفيريمات (Tecovirimat) هو العلاج الطبي المستخدم لمصابي جدري القرود في مراحل متقدمة. ولكن لا تتوفر حتى الآن بيانات حول فعالية هذا العقار بشكل كبير.
تقول منظمة الصحة العالمية أنه يمكن أن يساعد الحصول على هذا المضاد على منع العدوى إذا ما تم الاختلاط بمصاب. وينبغي إعطاءه في غضون 4 أيام من مخالطة أحد المصابين بالمرض أو خلال 14 يوماً إذا لم تكن هناك أعراض.