في خطوة مبتكرة تبشّر بتغيير طريقة دراسة أنسجة الكائنات الحية؛ اكتشف باحثون من جامعتي تكساس وستانفورد تقنية لجعل جلد الفئران جلد شفاف بشكل مؤقت. وذلك باستخدام حقنة محلول بسيط من الماء وصبغة التارترازين، وهي صبغة غذائية تستخدم بشكل شائع في صناعة رقائق البطاطس.
تشكل هذه التقنية الجديدة ثورة علمية كبيرة في الأبحاث الطبية، فهي تتيح للأطباء مراقبة الأنسجة الحية الداخلية بشكل مباشر. عوضاً عن الأشعة السينية، وأيضاً دون اللجوء إلى التدخل الجراحي.
وفقاً لدراسة نُشرت في مجلة "Science" بتاريخ 6 أيلول 2024، حُقنت هذه الصبغة في فروة رأس الفئران. فانتشرت بشكل سريع وجعلت الجلد شفاف في غضون دقائق مما سمح برؤية الأوعية الدموية في رأس الفئران. أيضاً عند حقنها في البطن تمكنوا من رؤية حركة الأمعاء خلال عملية الهضم. واستخدموا الصبغة على ساق الفأر لرؤية الألياف العضلية تحت الجلد.
هذه التقنية آمنة وقابلة للعكس، أي يمكن إعادة الجلد إلى وضعه السابق. مما يعني أنها تستطيع أن تفتح إمكانيات جديدة للتصوير الطبي من خلال السماح للعلماء بمراقبة الأعضاء الداخلية بشكل مباشر، كالأوعية الدموية والأعضاء. دون إجراء عمليات جراحية، أو تصوير الأشعة السينية.
تعمل هذه الصبغة على تغيير كيفية تفاعل أنسجة الجسم التي تكون عادة معتمة مع الضوء. حيث أن السوائل والدهون والبروتينات التي تتكون منها أنسجتنا كالجلد والعضلات لها عامل انكسار مختلف ومتفاوت للضوء. فالأنسجة التي يتخللها الماء لها عامل انكسار منخفض. في حين أن الدهون والبروتينات تكون ذات عامل انكسار عالي. فتبدو الأنسجة معتمة لأن الاختلاف بين عوامل الانكسار يتسبب في تشتت الضوء. ورأى الباحثون بأن إضافة صبغة التارترازين التي تمتص الضوء بقوة إلى أنسجة الجلد يمكن أن تقلص الفارق بين عوامل الانكسار بما يكفي لجعله جلد شفاف يعكس ما خلفه!
الأوعية الدموية في الدماغ أسفل جمجمة فأر تحت تأثير المهدئ، تم الكشف عنها باستخدام صبغة التارترازين حقوق الصورة: جامعة ستانفورد / مؤسسة العلوم الوطنية |
يقول جوسونج هونج عالم المواد بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا. والمشارك في الدراسة: "عندما يذوب التارترازين في الماء، فإنه يجعل الماء كاسراً للضوء مثل الدهون. فتصبح الأنسجة التي تحتوي على سوائل ودهون شفافة عند إضافة الصبغة، لأن عامل انكسار الضوء للسوائل يطابق عامل انكسار الدهون".
على الرغم من النتائج المذهلة التي قدمتها هذه التقنية بإلغاء العمليات الجراحية لأجل الكشف على الأعضاء الداخلية، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة. فهذه الصبغة يمكن أن تجعل أي جلد شفاف لعمق يصل إلى 3 ملليمتر فقط، مما يحد من إمكانية استخدامها في الأنسجة ذات السماكة الأكبر. ولكن يرى العلماء أن هذا النهج المبتكر، بحاجة إلى مزيد من البحث لتحديد مدى فعاليته على الجلد البشري الأكثر سماكة. ويرون أن وجود جلد شفاف سيجعل على أبسط تقدير الأوردة أكثر وضوحاً في عمليات سحب الدم، وسيساعد بشكل كبير في الكشف المبكر عن السرطانات.