لعلَّ استخدام دواء الإيبوبروفين المضاد للإلتهاب كمسكن ألم أمر شائع بين البشر بشكل هائل. لكن هل سمعت من قبل عن استخدام هذا الإيبوبروفين كوسيلة لعلاج مرض وراثي نادر؟
تجربة علمية مثيرة أجريت على ذبابة الفاكهة تُظهر أن هذا الدواء الشائع قد يقدم بصيص أمل واعد لعلاج الأطفال الذين يعانون من طفرة جينية في جين يدعى MAN1B1.
ففي دراسة أعلن نتائجها البروفيسور كليمنت تشاو؛ عالم الوراثة من جامعة يوتا خلال اجتماع الجمعية الأمريكية لعلم الوراثة البشرية. أوضح د.تشاو أن الإيبوبروفين قد يخفف من بعض الأعراض المرتبطة بخلل الجين MAN1B1. وهو ما قد يشكل خطوة مستقبلية واعدة في مجال علاج الأمراض الوراثية النادرة.
بدايةً: ما هو جين MAN1B1 وما دوره في أجسامنا؟
في علم الوراثة الجين MAN1B1 عبارة عن بروتين يقوم بوظيفة هامة في الجسم. إذ يعمل على التخلص من السكر "المانوز" الموجود على الجينات المشوهة. مما يساعد في التخلص منها بسهولة. ولكن الأطفال الذين يرثون نسختين معطوبتين من جين MAN1B1 قد يعانون في بعض الحالات من مرض وراثي نادر يعرف باسم الاضطراب الخلقي في الغلكزة. والذي يسبب تأخراً في النمو وميولاً إلى السمنة، وزيادة في العدوانية وظهور ملامح وجه بارزة بشكل مميز، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من المشكلات الصحية. وحتى تاريخ اللحظة لا يوجد علاج فعال لهذا المرض الوراثي النادر.
هل سيكون الإيبوبروفين علاج فعال لهذا المرض الوراثي النادر؟
لإيجاد علاج لهذا المرض قرر فريق بحث بقيادة الدكتور تشاو اختبار مجموعة من الأدوية على ذبابة الفاكهة المعدلة وراثياً بطفرة في جين MAN1B1 في عينيها. والذي جعل عيونها تظهر بشكل صغير وغير منتظم. فقاموا بتجربة حوالي 1500 دواء عليها.. ووجدوا أن 51 دواءً من ضمنها الإيبوبروفين، أعاد للعيون شكلها الطبيعي الكبير ذو اللون الأحمر. بينما زاد 47 دواءً حالتها سوءً بشكل واضح..
تتمتع ذبابة الفاكهة عادة بعيون حمراء لامعة كبيرة (على اليسار). ولكن طفرة في الجين MAN1B1 تجعل العيون صغيرة وخشنة (على اليمين). |
ومن ضمن الأدوية التي أظهرت فعالية جيدة كان هنالك تسعة أدوية مضادة للالتهاب (الإيبوبروفين وثمانية آخرين). والتي خمن فريق البحث أنها ستكون مفيدة في علاج هذا المرض الوراثي النادر.
كيف يمكن للإيبوبروفين أن يسهم في علاج هذا المرض؟
تقوم الأدوية المضادة للالتهاب مثل الإيبوبروفين بتثبيط إنزيمي COX1 وCOX2، مما يساعد على تقليل الالتهابات في الجسم. وفي الذباب الذي يفتقد الجين MAN1B1؛ لاحظ الباحثون نشاطاً مرتفعاً في إنزيم COX. وعند علاج الذباب بالإيبوبروفين عاد هذا النشاط إلى مستواه الطبيعي واستعاد الذباب عيونه الطبيعية.
وبالإضافة إلى ذلك فقد ساعد خفض النشاط المرتفع لإنزيم COX في تخفيف الأعراض الخاصة بالمرض. مما يعني أن هذا الإنزيم يسبب بعض المشاكل عند عدم وجود الجين MAN1B1 للقيام بعمله.
تأثيرات واعدة للإيبوبروفين على أعراض أخرى
تشير الدراسة إلى أن تأثير الإيبوبروفين لم يتوقف على تحسين مظهر العيون فقط. إذ أظهرت التجارب أن الذباب الذي يفتقر كلياً إلى الجين MAN1B1 يعاني من نوبات طويلة عند تعرضه للصدمات. والعلاج بالإيبوبروفين خفف من هذه النوبات بشكل ملحوظ.
وبناءً على هذه النتائج المشجعة؛ بدأ الأطباء بتجربة جرعات منخفضة من الإيبوبروفين على ثلاثة أطفال يعانون من مرض وراثي نادر بسبب طفرة في الجين MAN1B1. وقد ظهرت نتائج إيجابية مبشرة جداً حتى الآن..
هل يصبح الإيبوبروفين علاجاً فعلياً لهذا المرض الوراثي النادر؟
على الرغم من أن هذه التجارب ما زالت في مراحلها المبكرة وتحتاج لمزيد من الدراسات والتجارب. إلا أن النتائج تعطي أملاً كبيراً لفريق البحث ولعائلات الأطفال المصابين بهذا المرض الوراثي النادر.
حيث يفتح هذا البحث الباب لإمكانية استخدام أدوية شائعة ومتوفرة مثل الإيبوبروفين لعلاج الأمراض الوراثية النادرة التي تفتقر إلى حلول علاجية فعالة.