أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

آخر الأخبار

كوكب المشتري: العملاق الذي يبتلع الكويكبات لينقذ الأرض!

صورة لكوكب المشتري

من وسط الفضاء تلوح أمامنا أعجوبة لا تُضاهى؛ ألا وهي كوكب المشتري. العملاق الذي يزن أكثر من ضعفي وزن مجموع كامل كواكب المجموعة الشمسية الأخرى مجتمعة.

أكنت تعلم يوماً أنه يعمل كدرعٍ واقٍ يحمي الأرض من مئات النيازك سنوياً؟ وأنه بفضل مجاله المغناطيسي الضخم وأحواله الجوية المتقلبة يعتبر حجر الزاوية في توازن المجموعة الشمسية؟!

في هذا المقال سنكتشف أسرار تكوين المشتري المذهل. وسنستعرض الدور الحيوي الذي يلعبه في صد المخاطر الفضائية عن الكواكب الأخرى، وسنأخذك في جولة عبر أهم بعثات الاستكشاف التي أعادت رسم خريطة معرفتنا بهذا العملاق. فاحضر كوب قهوتك واستعد لاكتشاف أسرار هذا الكوكب!


نشأة كوكب المشتري وتكوّنه

يحتل كوكب المشتري (بالإنجليزية  Jupiter) المرتبة الخامسة من حيث البعد عن الشمس، فهو يقع بعد كوكب المريخ (الرابع) مباشرةً، وقبل كوكب زحل (السادس) في ترتيب كواكب المجموعة الشمسية.

ويستغرق حوالي 11.86 سنة أرضية ليُتم دورة كاملة حول الشمس، أما دورانه حول نفسه فهو من الأسرع بين كواكب النظام الشمسي، إذ يُكمل دورة كاملة حول محوره خلال 9 ساعات و55 دقيقة فقط (أرضية).

وهو يمثل أكبر الأجرام السماوية في المجموعة الشمسية بعد الشمس، ويعود تكوينه إلى أكثر من 4.5 مليار سنة. إذ بدأت قصته حين تجمعت سحُب هائلة من الغاز والغبار في القرص الكوكبي الأوّلي حول الشمس الوليدة.

ولنشرح بشكل أبسط؛ فإن القرص الكوكبي الأولي عبارة عن سحابة ضخمة من الغاز والغبار تدور حول نجم حديث التكوّن، كالشمس في بداياتها. وهذا القرص هو المادة الخام التي تكوّنت منها الكواكب والأقمار والكويكبات لاحقاً.

أما عن مصطلح الشمس الوليدة، فهو مصطلح يطلق على الشمس عندما كانت لا تزال نجمة ناشئة، في مرحلة ما قبل استقرارها كنجم رئيسي في تسلسل الحياة النجمية.

صورتين تظهران كامل شكل المشتري
يظهر في هذه الصورة وجها المشتري بصورتين تم التقاطهما يومي 5 و6 يناير عام 2024م بواسطة تلسكوب هابل

بالعودة إلى قصة نشوء الكوكب، فنظراً للكثافة العالية في المنطقة الخارجية للقرص، جذبت جاذبية هذه الكتلة الغازية مزيداً من الهيدروجين والهيليوم، فأدّى ذلك إلى تشكّل نواة صخرية أولية تفوق كتلتها كتلة الأرض بأضعاف.

ومع مرور الزمن استمر تكاثف الغاز حول النواة، فانتشر الهيدروجين والهيليوم بغزارة حتى وصل إلى حجمه الحالي، مكوناً بذلك كوكب غازي عملاق نعرفه اليوم باسم المشتري.

المرحلة الغازية للكوكب

في مرحلة تكوّنه ككتلة غاز عملاقة، شكّل الهيدروجين نحو 90% من تركيب مادته الأولية، يليه الهيليوم بنسبة تقارب 10%. وقد ساهمت الحرارة المنبعثة من تفاعلات الجاذبية عند تضاغط السحب في تسييل الهيدروجين وتحويله إلى الحالة السائلة والمعدنية في باطن المشتري. بينما تشكّلت الطبقات العليا جويّاً نتيجة البرودة النسبية. وهو الأمر الذي أتاح ظهور السحب الملوّنة والأحزمة المميزة التي تراها التلسكوبات اليوم عند رصده.

الفرق بين المشتري والكواكب الصخرية  

لا يشبه كوكب المشتري الكواكب الصخرية كالأرض والمريخ والزهرة؛ فالاختلاف يظهر في حجم الكتلة وكثافتها. فكتلته تفوق كتلة جميع الكواكب الداخلية مجتمعة بما يزيد على ضعفين، بينما تصل كثافته إلى نحو 1.33 غ/سم³، مقابل كثافة تصل إلى 5.51 غ/سم³ لكوكب الأرض. كما أنه لا يمتلك سطحاً صلباً، إذ يتدرج تكوينه من الهيدروجين الغازي في الطبقات العليا إلى الهيدروجين المعدني في الأعماق، بينما تمتلك الكواكب الصخرية أسطح صلبة. وهذا الاختلاف الجوهري يفسّر الاختلاف في المناخ والطقس بينه وبين الكواكب الصخرية.


التركيب الداخلي وطبقات الكوكب 

يتكوّن الكوكب من بنية داخلية فريدة ومعقدة، تعكس خصائصه كأضخم كواكب المجموعة الشمسية وأكثرها غنى بالغازات. هذه البنية لا تشبه البنية الطبقية للكواكب الصخرية، بل تُظهر تدرجاً في الحالة الفيزيائية للمادة من المركز حتى الطبقات الخارجية، وذلك نتيجة للضغوط الهائلة ودرجات الحرارة المرتفعة. وقد ساعدت بيانات بعثة جونو (Juno) التابعة لوكالة ناسا في تقديم رؤى أكثر دقة حول تركيب الكوكب الداخلي، مما ساهم في تفسير خصائصه المغناطيسية وتفاعلاته الجوية. إلى جانب تقديم أدلة على مراحله الأولى من التكوين في القرص الكوكبي حول الشمس.

وتتكون طبقاته من:

1. الغلاف الجوي العلوي  

في الطبقات الخارجية من الكوكب يمتد الغلاف الجوي العلوي للمشتري والذي تهيمن عليه الغازات الخفيفة وخاصة الهيدروجين والهيليوم. يحتوي هذا الغلاف على مركبات كالأمونيا والهيدروكربونات، والتي تساهم في تلوين الأحزمة والعواصف الظاهرة. وقد وثّقت صور بعثة كاسيني وهابل تفاصيل دقيقة للغلاف، كالعاصفة المعروفة بـ"البقعة الحمراء العظيمة"، والتي تُظهر ديناميكيات معقّدة للطقس نتيجة لتفاوتات الضغط والحرارة. كما كشفت دراسات برنامج NASA Planetary Atmospheres عن وجود طبقات سحب متعددة بخصائص كيميائية وجوية فريدة تؤثر في بنية النظام المناخي للكوكب.

2. طبقات الهيدروجين السائل والمعدني  

مع التوغل داخل أعماق الكوكب فإنّ الهيدروجين يتعرض لضغط يفوق ملايين الأضعاف من الضغط الجوي على سطح الأرض. وهذا ما يجعله يتحول من حالته الغازية إلى حالة الهيدروجين السائل، ومن ثم إلى الهيدروجين المعدني. وهي حالة فائقة الكثافة يتصرف فيها الهيدروجين كموصل للكهرباء. وتعتبر هذه الطبقة مفتاحاً لفهم الدينامو الداخلي للكوكب، فهي  تُنتج التيارات الكهربائية المسؤولة عن توليد المجال المغناطيسي الهائل، الذي رصدته بعثة جاليليو سابقاً ودرسته لاحقاً بعثة جونو بدقة أكبر.

3. نواة صخرية (محتملة) 

رغم تصنيفه ضمن الكواكب الغازية العملاقة؛ إلا أن العديد من النماذج الفلكية المدعومة بقياسات جاذبية عالية الدقة من بعثة جونو تُشير إلى احتمالية وجود نواة مركزية تتألف من مواد صخرية ومعدنية كثيفة. وتشير عدة دراسات كالتي نُشرت في مجلة Nature عام 2019م إلى أن هذه النواة قد تكون مائعة أو شبه مائعة. وتمتد لتندمج تدريجياً مع الغلاف الغازي المحيط بها.


طقس المشتري: عواصف لا تنتهي

يُعد كوكب المشتري ساحة لأكثر الظواهر الجوية تطرفاً في المجموعة الشمسية؛ حيث يمتلك غلاف جوي نشط مليء بالعواصف العملاقة والرياح السريعة وأنماط متكررة من التيارات الصاعدة والهابطة. وفي الواقع هذه الديناميكا المعقدة لا تنتج فقط عن تركيبته الغازية بل أيضاً تنتج بسبب دورانه السريع الذي لا يتجاوز عشر ساعات (أرضية) للدورة الكاملة. مما يضخم قوى كوريوليس وينتج أنماطاً طقسية فريدة.

وإن كنت تتسائل عن قوى كوريوليس؛ فهي تأثير ناتج عن دوران الكوكب تجعل الرياح والتيارات تتحرك بانحناء بدلاً من السير في خط مستقيم. وعلى كوكب كالمشتري تسهم هذه القوى في تشكّل العواصف الدوّامية الضخمة كالبقعة الحمراء العظيمة، وفي تفسير أنماط الدوران المعقدة في غلافه الجوي.

البقعة الحمراء العظيمة: العاصفة الأقدم في المجموعة الشمسية

صورة لكوكب المشتري وفيه البقعة الحمراء واضحة
صورة للمشتري تظهر فيها البقعة الحمراء بشكل واضح في منتصفه إلى الأسفل قليلاً 

تُعتبر البقعة الحمراء العظيمة أشهر معالم المشتري، وهي عاصفة دوامية هائلة يزيد عرضها عن ضعفي قطر كوكب الأرض. وتدور في الاتجاه المعاكس لحركة عقارب الساعة. رُصدت هذه العاصفة منذ أكثر من 350 عاماً، ويُعتقد أنها بدأت منذ القرن السابع عشر ومستمرة حتى الآن. وقد التقطت بعثات مثل كاسيني وهابل صوراً مذهلة تكشف عن بنيتها الطبقية وألوانها المائلة إلى الأحمر الداكن. وأظهرت دراسات عدة كالتي قامت بها بعثة جونو أن البقعة تمتد لعدة مئات من الكيلومترات في العمق. وهذه العاصفة تعتبر مصدراً مهماً لفهم النشاط الديناميكي على الكوكب.

الأحزمة الداكنة والمناطق الفاتحة

يقسَّم الغلاف الجوي للمشتري إلى أحزمة داكنة ومناطق فاتحة، وإذا نظرت إلى صوره ستجدها تمتد أفقياً عبر خطوط العرض. تَنتُج كل من الأحزمة والمناطق من تيارات نفاثة سريعة تتحرك في اتجاهات متعاكسة. ويُعتقد أن الأحزمة تمثل تيارات هواء هابطة، حيث تهبط الغازات من الطبقات العليا نحو داخل الكوكب وهو ما يزيد من كثافتها ويمنحها لوناً أغمق. وفي المقابل تمثل المناطق تيارات صاعدة تدفع الغازات من الداخل إلى سطح الكوكب وهذا يجعلها أقل كثافة وأكثر إشراقاً. هذا التناوب بين الصعود والهبوط يشبه الدورة الحرارية، ويُعد عنصراً أساسياً في تفسير الأنماط الجوية على سطح المشتري.

وقد رصدت بعثة جونو هذا النمط بتفصيل غير مسبوق موضحةً أن هذه التيارات تمتد لآلاف الكيلومترات تحت السطح وهذا يدل على عمق وتعقيد دوران الغلاف الجوي للمشتري.

سرعة الرياح والأعاصير

تبلغ سرعة الرياح على سطح هذا الكوكب العملاق أكثر من 600 كيلومتر في الساعة في بعض المناطق. وهذا يجعله يحتوي على أسرع الرياح في المجموعة الشمسية.

رصد حالة برق على سطح المشتري
هذه الصورة لدوامة قرب القطب الشمالي لكوكب المشتري، وقد رصدت بعثة جونو توهج صاعقة برق داخلها

هذه السرعات الكبيرة تولّد أعاصير ضخمة تتوزع على شكل دوامات بعضها يظل مستقراً لسنوات. وقد اكتشفت بعثة جونو في القطبين الشمالي والجنوبي أنماطاً من الأعاصير المنظمة على شكل خماسي في الشمال وسُداسي في الجنوب، وعلى الرغم من أن كوكب زحل يعرض نمطاً سداسياً مذهلاً في قطبه الشمالي كما وثّقته بعثة كاسيني، إلا أن ما اكتشفته بعثة جونو في قطبي كوكب المشتري يعدّ أكثر تعقيداً. فهذا الاكتشاف غيّر فهم العلماء لطبيعة الدوران القطبي والمجالات الحرارية على الكواكب الغازية العملاقة.

أعاصير خماسية على القطب الشمالي للمشتري
صورة إعصار مركزي عند القطب الشمالي لكوكب المشتري، نشرتها ناسا في 7 مارس 2018م تُظهر هذه الصورة المُركَّبة المستخلصة من بيانات جُمِعَت بواسطة جهاز رسم خرائط الشفق القطبي بالأشعة تحت الحمراء (JIRAM) على متن مركبة جونو. حيث يظهر الإعصار المركزي عند القطب الشمالي للكوكب والأعاصير الثمانية التي تُحيط به. يجمع جهاز JIRAM البيانات بالأشعة تحت الحمراء، وتُمثِّل الألوان في هذه الصورة المُركَّبة الحرارة الإشعاعية.


المجال المغناطيسي والحلقات الرقيقة 

يُظهر كوكب المشتري مجالاً مغناطيسياً هائلاً هو الأقوى في المجموعة الشمسية، حيث تصل قوته إلى ما يزيد عن 20 ألف ضعف المجال المغناطيسي للأرض!

ووفقاً لبيانات بعثة جونو فإن هذا المجال ناتج عن حركة الهيدروجين المعدني السائل في الطبقات العميقة للكوكب. حيث تعمل هذه الحركة بمثابة مولّد كهربائي ضخم يكوّن مجال مغناطيسي يمتد لملايين الكيلومترات في الفضاء. وهذا المجال يُحاصر جسيمات شمسية ومشحونة من الفضاء مشكلاً مناطق إشعاعية كثيفة تُعرف بأحزمة الإشعاع وتعتبر من أخطر المناطق التي مرت بها المركبات الفضائية.

ويصدر أيضاً إشعاعات شديدة ضمن النطاقات الراديوية، ويُعتقد أن هذه الانبعاثات قد تكون مرتبطة بتفاعلات بين مجاله المغناطيسي وقمره النشط "آيو"، الذي يُطلق الكبريت والأكسجين في الفضاء فيقوم بتغذية هذه الأحزمة.

أما عن نظام الحلقات فنعم، المشتري يمتلك حلقات ولكن رغم ضخامة الكوكب؛ إلا أن حلقاته تعتبر من الأنظمة الأقل وضوحاً في المجموعة الشمسية. وذلك بسبب رقتها وتكوّنها من جسيمات غبارية دقيقة بدلاً من الجليد كما في حلقات زحل. وقد تم اكتشاف هذه الحلقات لأول مرة عام 1979م بواسطة مركبة Voyager 1 ثم رُصدت لاحقاً بتفاصيل أكثر عبر تلسكوب هابل ومركبة جاليلو.

صورة تظهر حلقة من حلقات المشتري
هذه الصورة لحلقة الغبار الرئيسية لكوكب المشتري بواسطة مركبة جونو. التُقطت الصورة من داخل الحلقة، بينما كانت جونو تحلّق بين كوكب المشتري وأحزمة الإشعاع. 

تتكون حلقاته من ثلاثة مكونات رئيسية: حلقة داخلية تُعرف بـ"الحلقة الهالة"، وحلقة رئيسية رفيعة، بالإضافة إلى حلقتين خارجيتين تسميان "حلقات الغبار". وجميعها ناتجة عن اصطدام نيازك بأقمار المشتري الصغيرة كقمريه "أدراستي" و"ثيبي".


أقمار المشتري: عوالم غامضة تدور حوله

لا يقتصر تفرّد الكوكب الغازي العملاق على حجمه ومجاله المغناطيسي، بل يمتد إلى نظامه القمري الغني والذي يضم أكثر من 90 قمراً مؤكداً. وفي الحقيقة هذه الأقمار ليست مجرد توابع صخرية، إنما عوالم قائمة بذاتها، حيث تتميّز بتكوينات جيولوجية نشطة وغلافات سطحية فريدة. ومن أبرز هذه الأقمار:

قمر غانيميد: أكبر قمر في المجموعة الشمسية

غانيميد ليس فقط أكبر أقمار المشتري، بل يتفوّق بالحجم على كوكب عطارد نفسه. يُعتقد أن لهذا القمر نواة معدنية داخلية تُولّد غلافاً مغناطيسياً خاصاً به، وهي سمة فريدة لا تُوجد في أي قمر آخر. تشير بيانات بعثة جاليليو وتحليل الطيف الضوئي إلى وجود طبقات من الجليد والماء تحت سطحه، وهو أمر يعزّز فرضية وجود محيطات داخلية قد تُشكل بيئة قابلة للحياة خارج كوكب الأرض.

قمر أوروبا: محيطات مخفية تحت الجليد

يُعد أوروبا أحد أبرز أهداف البحث عن الحياة خارج الأرض. فوفقاً لقياسات هابل وتحليل البيانات المغناطيسية من جاليليو؛ يوجد تحت قشرته الجليدية محيط مائي بعمق قد يتجاوز أعماق محيطات الأرض. وقد رُصدت أعمدة بخار ماء تنبعث من سطحه لأول مرة في ديسمبر 2012م باستخدام تلسكوب هابل الفضائي، وأُعلنت النتائج في دراسة نُشرت عام 2013 في مجلة Science.

ثم تأكّد هذا الرصد مجدداً عام 2016م عبر تحليل إضافي لبيانات هابل، وأشارت دراسة لاحقة نشرتها Nature Astronomy عام 2018م إلى دعم هذه الملاحظات بعد إعادة تحليل بيانات قديمة من بعثة جاليليو، والتي حلّقت قرب أوروبا في التسعينات. فقد وجدت تغيرات في المجال المغناطيسي والجسيمات المحيطة تشير إلى مرور المركبة عبر عمود مائي فعلي.

آيو وكاليستو: بين الانفجارات والاستقرار

قمر آيو هو أكثر الأجسام البركانية نشاطاً في المجموعة الشمسية، حيث يُظهر سطحه مئات البراكين النشطة بسبب الجذب الثقالي الهائل من المشتري والأقمار الأخرى. وقد وثّقت بعثة جاليليو انفجارات ضخمة في هذا القمر قد تمتد لآلاف الكيلومترات وتجعل سطحه دائم التغيّر.

أما قمر كاليستو فيمثّل النقيض تماماً؛ فسطحه المُغطى بالفوهات هو من بين الأقدم والأقل نشاطاً جيولوجياً، لكنه يُعتبر مرشحاً مهماً لاستضافة بيئة مستقرة تحت السطح، وفقاً لنماذج رادارية تفترض وجود طبقة مائية عميقة داخله.

الأقمار الصغيرة والحلقات المرافقة

إلى جانب الأقمار السابق ذكرها يدور حول المشتري عدد كبير من الأقمار الصغيرة غير المنتظمة. وتساهم حركتها وتصادماتها الجزئية في تغذية نظام الحلقات الرقيق للكوكب. وقد كشفت صور تلسكوب هابل ومركبة جونو أن هذه الحلقات تتكوّن من جزيئات دقيقة جداً تُمثل جزءاً من النظام القمري للمشتري.


المشتري وتأثيره على كوكب الأرض

يُشكّل المشتري أحد العوامل الحاسمة في استقرار المجموعة الشمسية، ليس فقط بسبب حجمه وكتلته الهائلة، بل أيضاً نتيجة لدوره في حماية الكواكب الداخلية، وعلى رأسها كوكب الأرض. وكما قلنا مسبقاً تُقدّر كتلته بأكثر من ضعفي كتلة جميع الكواكب الأخرى مجتمعة، وهو ما يجعله مركز جذب قوي للكويكبات والمذنبات التي قد تكون مهددة للحياة على الأرض. وقد لاحظ العلماء أنه يعمل كـ"درع جاذبي"، يمتص أو يُغيّر مسارات الأجسام الفضائية القادمة من المناطق الخارجية للمجموعة الشمسية وخصوصاً من حزام كويبر وسحابة أورت.

أحد أبرز الأدلة على هذا الدور تمثّل في حادثة اصطدام المذنب Shoemaker-Levy 9 بكوكب المشتري عام 1994م. حين رُصدت سلسلة من التصادمات الضخمة خلفت سحباً هائلة في غلافه الجوي. فأكّدت هذه الحادثة فعلياً قدرته على جذب الأجسام الفضائية وتحييد أخطارها عن بقية الكواكب.

وبالإضافة إلى الحماية يلعب دوراً توازنياً في استقرار مدارات الكواكب الأخرى. حيث تشير عدة دراسات إلى أن وجوده ساهم في منع اضطرابات جاذبية كان من شأنها أن تؤدي إلى تصادمات أو زعزعة مدارات الأرض والمريخ، وهذا ما قد يؤدي إلى تغييرات مناخية أو حتى تهديدات لوجود الحياة.

وفي ختام رحلتنا حول كوكب المشتري ورغم كل ما كشفته التلسكوبات وبعثات الفضاء عنه؛ سيبقى هذا العملاق الغازي أكبر من أن يُختصر في بيانات أو صور أو مقال. فمن نواته الغامضة إلى حلقاته الرقيقة ومن أعاصيره القُطبية إلى تأثيره الحاسم في حماية الأرض، يُجسد لوحة كونية متحركة لن تفتأ تُلهم العلماء وتثير فضول البشرية.

AYA BRIMO
AYA BRIMO