يواجه العالم اليوم أزمة بيئية خطيرة تتمثل في التلوّث البلاستيكي الذي يهدد صحة الكوكب وحياة الكائنات الحية. فالمصانع تنتج سنوياً أكثر من 400 مليون طن من البلاستيك، نصفها تقريباً يُستخدم لمرة واحدة فقط ثم يُلقى في الطبيعة ليبقى لقرون طويلة دون تحلل. من هنا ظهرت مشكلة تراكم النفايات البلاستيكية التي أكدت على أهمية تطوير مواد بديلة صديقة للبيئة. ولعل أبرز هذه المواد هو البلاستيك الحيوي القابل للتحلل الذي بات يشكل أملاً واعداً لمستقبل أنظف وأكثر استدامة.
في هذا المقال سنتحدث عن ابتكار ثوري جديد أعلن عنه باحثون من جامعة واشنطن في سانت لويس. حيث تمكنوا من تطوير مادة بلاستيكية حيوية تتحل بدرجة حرارة الغرفة.
أزمة البلاستيك التقليدي
تشير الإحصاءات إلى أن نسبة إعادة تدوير نفايات البلاستيك لا تتجاوز 9% فقط بينما يتم حرق 19%. ويبقى الجزء الأكبر من النفايات إما في مكبات النفايات أو منتشراً في البيئة. والمشكلة الأكبر أن بعض أنواع البلاستيك التقليدي تحتاج إلى أكثر من 400 عام لتتحلل، مما أدى إلى تراكم نفايات ضخمة على مدى مئات السنين، وهي لا تزال تؤذي الطبيعة والمحيطات والهواء والتربة حتى الآن.
ابتكار ليف: بلاستيك حيوي مستوحى من بنية الورقة النباتية
في خطوة علمية رائدة أعلن فريق بحثي من جامعة واشنطن في سانت لويس عن تطوير مادة بلاستيكية جديدة أطلقوا عليها اسم ليف (LEAFF) وهي مستوحاة من التركيب الطبيعي للورقة النباتية. وقد نُشر هذا البحث بتاريخ 28 يوليو 2025م على الموقع الرسمي للجامعة.
يتميز هذا البلاستيك الحيوي القابل للتحلل بأنه قادر على التحلل الكامل في درجة حرارة الغرفة دون الحاجة إلى مرافق صناعية خاصة؛ مما يجعله مرشحاً قوياً ليحل مكان البلاستيك التقليدي خصوصاً في تغليف المواد الغذائية.
وتعتمد مادة البلاستيك الحيوي (ليف) على تصميم معقد يتألف من ثلاث طبقات:
• الطبقتان الخارجيتان: مصنوعتان من بلاستيك حيوي قابل للتحلل كحمض البولي لاكتيك (PLA) وبولي هيدروكسي بيوتيرات (PHB)، وهما بوليمران طبيعيان يصنعان من مصادر نباتية متجددة كالنشاء والسكريات. وهاتان الطبقتين تضمنان المتانة والمرونة مع المحافظة على قابلية التحلل البيولوجي.
• الطبقة الوسطى: تحتوي على ألياف نانوية من السليلوز، وهي خيوط دقيقة مستخرجة من النباتات كـ لُبّ الأشجار أو المخلفات الزراعية. وتتميز هذه الألياف بصلابتها العالية وقوتها الميكانيكية التي تفوق الألياف الزجاجية إضافة إلى خفة وزنها وشفافيتها؛ مما يعزز من قوة ومتانة البلاستيك دون زيادة في وزنه.
آلية التحلل في ظروف بسيطة
أبرز ما يميز مادة ليف هي قدرتها على التحلل الطبيعي في درجة حرارة الغرفة خلال أسابيع قليلة. وهي قدرة مبهرة مقارنة بالبلاستيك الحيوي التقليدي الذي يحتاج عادة إلى درجات حرارة ورطوبة عالية في مرافق صناعية خاصة ليبدأ التحلل.
هذا يعني أن المادة تستطيع أن تتحلل بسهولة في البيئة العادية سواء تم رميها في الطبيعة أو في مكب النفايات وبالتالي هذا يقلل بشكل كبير من تراكم النفايات البلاستيكية لمدة طويلة.
مميزات جديدة تتخطى قيود البلاستيك الحيوي التقليدي
اختبارات الباحثين أظهرت أن هذا البلاستيك الحيوي المدعو ليف يتفوق على العديد من أنواع البلاستيك البترولي الشائع، كالبولي إيثيلين والبولي بروبيلين من حيث مقاومة الشد والانثناء وهذا يجعله مناسباً للاستخدامات التي تتطلب متانة عالية.
إضافة إلى أنه يمتاز بقدرته على منع تسرّب الرطوبة والغازات وهو أمر مهم حيوياً لتغليف المواد الغذائية وحفظ جودتها لفترات أطول.
وتسمح الطبقة السطحية للبلاستيك الحيوي هذا بأن يُطبع عليه مباشرة دون الحاجة إلى ملصقات إضافية مما يبسّط عملية التغليف ويوفر التكاليف.
التحديات التي تواجهها مادة ليف
في العادة تعاني المواد البلاستيكية الحيوية من عدة مشكلات أهمها:
• عدم تحللها السريع في البيئة الطبيعية.
• التكلفة الأعلى مقارنة بالبلاستيك التقليدي.
• ضعف في مقاومة الحرارة والرطوبة.
• محدودية الاستخدام في تطبيقات تتطلب مرونة وقوة ميكانيكية عالية.
ولكن مادة ليف تتغلب على معظم هذه المشكلات بفضل تصميمها المبتكر، مما يجعلها خطوة متقدمة نحو حلول بلاستيكية مستدامة وفعالة.
ختاماً: ماذا لو انتشرت مادة ليف في المستقبل؟
يمثل ابتكار مادة ليف نقلة نوعية في مجال البلاستيك الحيوي القابل للتحلل حيث تجمع بين القوة والمتانة والقابلية للتحلل في ظروف طبيعية دون الحاجة إلى مرافق خاصة. مما يعني توفير عناء كبير في البحث عن مواد بلاستيكية قوية وتخفيف عبء إعادة تدويرها والتخلص منها. أضف إلى هذا أن الابتكار مستوحى من الطبيعة وهو مثال على كيفية محاكاة الأنظمة البيئية لحل أزماتنا الصناعية.
فباستخدام مواد متجددة وتصميم طبقات متقدمة يمكن لهذا البلاستيك الحيوي الجديد أن يفتح آفاقاً واسعة أمام الصناعات الغذائية وغيرها ليحل مكان البلاستيك التقليدي الملوّث ويسهم بفعالية في تقليل أزمة التلوث العالمي.