أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

آخر الأخبار

تأثير موجات الحر على الشيخوخة وصحة الإنسان

صورة تظهر مقياس درجة حرارة الجو موضوع في الرمل

مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة على كوكب الأرض وتزايد موجات الحر عاماً بعد عام، يواجه الإنسان تحدياً متصاعداً في التكيّف مع هذا الواقع المناخي القاسي. وفي هذا الإطار تكشف دراسة علمية حديثة عن تأثير موجات الحر على الشيخوخة، موضّحةً أنّ التعرض المستمر لدرجات الحرارة المرتفعة لا يقل خطورة عن العادات المضرة بالصحة كالتدخين المنتظم أو شرب الكحول، إذ يمكن أن يسرّع من تقدّم الجسم في العمر ويؤثر سلباً على وظائف أعضائه وخلاياه.


تأثير موجات الحر على الشيخوخة

قاد فريق من جامعة هونغ كونغ في الصين هذه الدراسة، وقد نُشرت في مجلة Nature Climate Change بتاريخ 25 أغسطس عام 2025م. وخلال الدراسة تم تحليل بيانات 24,922 شخصاً من تايوان خضعوا لفحوصات طبية بين عامي 2008م و2022م. وقد قارن الباحثون سجلاتهم بعدد موجات الحر التي يُرجّح أنّ كل شخص تعرّض لها بناءً على مكان إقامته.

وأظهرت النتائج أنّ الذين تعرضوا لموجات حر أكثر كانت لديهم مستويات أعلى من المؤشرات الحيوية المرتبطة بالتقدّم البيولوجي في العمر. وعلى خلاف العمر الزمني الذي يُكتب على البطاقة الشخصية؛ فإنّ العمر البيولوجي هو مقياس لوظائف الأنسجة والأعضاء والخلايا ويحدد العمر الفعلي لها.

فقد تكون بعمر الخامسة والثلاثين ولكنك تُدخّن منذ مدة طويلة، وهذا يعني أن رِئتيك بمقياس العمر البيولوجي هي بعمر أكبر من الخامسة والثلاثين بسبب الإجهاد والضرر الذي تتعرض له نتيجة التدخين.

تم تقسيم المشاركين لأربع مجموعات حسب كمية تعرضهم لموجات الحر (من الأقل تعرّضاً إلى الأكثر تعرّضاً). فوجدوا أنه كلما انتقل الشخص من مجموعة أقل تعرّضاً إلى مجموعة أعلى (أي كلما زاد تعرضه للحرارة)، زاد عمره البيولوجي بمعدل يتراوح بين 0.023 و0.031 سنة إضافية.

ويقول الباحثون إنّ هذه الزيادة تضع موجات الحر في نفس الفئة مع التدخين وشرب الكحول وممارسة الرياضة من حيث مدى تأثيرها على الشيخوخة البيولوجية.


ماهي أهمية هذه الدراسة؟

تكتسب هذه الدراسة أهمية خاصة لأنها لا تكتفي بمجرد التأكيد على أنّ موجات الحر تُشكّل خطراً صحياً، بل تظهر بوضوح أنّ تأثيرها يتجاوز الأعراض الجسدية المباشرة ليصل إلى تسريع عملية الشيخوخة البيولوجية.

وهذا الأثر الجديد يفتح المجال لفهم العلاقة بين التغيرات المناخية وصحة الإنسان من زاوية مختلفة؛ فالتقدّم في العمر لم يعد يقاس فقط بالسنوات بل بمدى قدرة الأعضاء والخلايا على أداء وظائفها.

وقد أوضح الباحثون أنّ الدراسات السابقة كانت قد بيّنت بالفعل التأثيرات السلبية لموجات الحر على الحالات الصحية المرتبطة بالعمر، خصوصاً لدى كبار السن، لكن ما يميّز هذه الدراسة هو أنّها اعتمدت على متابعة طويلة الأمد لعينة واسعة من السكان، الأمر الذي منح نتائجها قوة أكبر مقارنة بأبحاث سابقة محدودة النطاق أو قصيرة المدى.

وتشير النتائج إلى أنّ الشيخوخة البيولوجية يمكن أن تتأثر بعوامل خارجية كالسمنة والنظام الغذائي أو حتى الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وهنا يظهر دور موجات الحر كعامل إضافي لا يقل خطورة عن التدخين أو شرب الكحول.

كما تأتي هذه النتائج في وقت حرج، إذ يتوقّع العلماء ارتفاع درجات الحرارة العالمية في العقود المقبلة، وهو ما يعني أن شرائح معينة من المجتمع وخاصة كبار السن وسكان المناطق الريفية والعمّال (الذين يعملون تحت أشعة الشمس) سيكونون أكثر عرضة للتأثر.

وما يزيد من أهمية هذه الدراسة هو ارتباطها بمسألة شيخوخة السكان عالمياً؛ فبحلول عام 2050م سيُشكّل من هم فوق الـ 65 عاماً نحو 16% من سكان العالم.

ومع ازدياد الأعمار ستزداد الحاجة إلى ضمان أن تكون هذه السنوات الإضافية صحيّة وليست مليئة بالأمراض أو التدهور الجسدي السريع.

ولهذا يرى الباحثون القائمون على هذه الدراسة أنّ تأثير موجات الحر على الشيخوخة البيولوجية يجب أن تدفع نحو اعتماد سياسات وقائية واستراتيجيات للتأخير من وتيرة الشيخوخة وتعزيز الشيخوخة الصحية، باعتبارها خطوة ضرورية لمواجهة التحديات المناخية والصحية في المستقبل.

Aya Brimo
Aya Brimo