في إنجاز علمي جديد يفتح آفاقاً واسعة لتقنيات العرض المصغّرة، طوّر باحثون من جامعة فورتسبورغ الألمانية (University of Würzburg) أصغر بكسل في العالم بمساحة لا تتجاوز 300 × 300 نانومتر فقط. وهو أدق بحوالي الـ 250 مرة من شعرة الإنسان، ويأتي بسطوع يعادل سطوع بكسلات شاشات OLED التقليدية.
هذا الابتكار يمهّد الطريق لشاشات فائقـة الصغر يمكن دمجها في نظارات الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزّز (AR). بحيث تُعرض المعلومات مباشرة أمام عين المستخدم دون الحاجة إلى شاشات تقليدية، ولكن هنالك بعض المشاكل الحالية.
شاشة كاملة داخل عدسة صغيرة
في البحث المنشور في مجلة Science Advances بتاريخ 2025/10/22م يتوقع الباحثون أن تسمح هذه التقنية بإنتاج شاشة بدقة 1920×1080 (Full HD) يمكن احتواؤها داخل مساحة لا تتجاوز متر مربع واحد من المليمتر، أي ما يكفي لدمجها داخل عدسة نظارة ذكية.
وهذا يفتح الباب أمام تصميمات جديدة تماماً لأجهزة الواقع الممتد، حيث يمكن أن تصبح العدسة نفسها هي الشاشة.
كيف يعمل أصغر بكسل في العالم؟
يعتمد تصميم البكسل الجديد على طبقتين من الأقطاب الكهربائية، أحدهما مصنوع من الذهب ويعمل في الوقت ذاته كـ هوائي نانوي.
وهذه البنية المبتكرة تسمح بتوصيل التيار الكهربائي وتحفيز الضوء المنبعث وتوجيهه بكفاءة وهي مشكلة عانت منها كل محاولات تصغير البكسلات سابقاً.
يشرح عالم الفيزياء بيرت هيخت (Bert Hecht) المشارك في البحث:
"بفضل التماس المعدني الذي يتيح حقن التيار في الصمام العضوي الباعث للضوء (OLED) ويعمل في الوقت نفسه على تضخيم الضوء المنبعث، أنشأنا بكسلاً ينبعث منه ضوء برتقالي على مساحة لا تتجاوز 300 × 300 نانومتر".
ويضيف أن سطوع هذا البكسل الصغير يعادل تماماً سطوع بكسل OLED تقليدي بحجم 5 × 5 ميكرومتر. ما يعني أن تصغير الحجم لم يؤدِّ إلى فقدان السطوع.
| استخدم الباحثون قطب كهربائي من الذهب يعمل أيضاً كهوائي |
جديرٌ بالذكر أن تصغير البكسلات يعد خطوة حاسمة في تطوير شاشات المستقبل. وذلك لأنه يتيح عرض الصور والمعلومات عالية الدقة في مساحات صغيرة جداً، كعدسات النظارات أو الأجهزة القابلة للارتداء. فكلما صغر حجم البكسل؛ أمكن حشر عدد أكبر منه في مساحة محدودة. وهذا يعني صورة أوضح وألوان أدق وتجارب واقع افتراضي ومعزّز أكثر واقعية، دون الحاجة إلى شاشات ضخمة أو إلى استهلاك طاقة كبيرة.
ابتكار تجاوز القيود القديمة
محاولات تصغير البكسلات فشلت سابقاً لأن تقليل الحجم فقط يسبب اضطرابات في المجال الكهربائي، مما يؤدي إلى تلف البنية البصرية للبكسل.
لكن الفريق الألماني عالج هذه المشكلة بذكاء عبر تغطية حواف الأقطاب بطبقة عازلة تُجبر التيار الكهربائي على المرور من مركز البكسل فقط، مما يمنع تشتيت الضوء أو تلف المادة الفعالة.
فيقول عالم الفيزياء جينس بفلاوم (Jens Pflaum) المشارك في البحث:
"تصغير مفهوم OLED التقليدي بدون تعديل يشبه تصغير الصاعقة نفسها، إذ ستتركز التيارات عند الزوايا وتولّد حقولاً كهربائية قوية تجعل ذرات الذهب تتحرك وتتسلل إلى المادة النشطة بصرياً".
أداء واعد ولكن بقيود لونية
حالياً أصغر بكسل في العالم يُصدر ضوءاً برتقالياً فقط. ناهيك عن أن كفاءته ما تزال منخفضة نسبياً (حوالي 1٪).
لكن الباحثين يعملون على تطوير نسخ منه تغطي كامل الطيف اللوني (RGB). إضافة إلى سعيهم لتحسين كفاءة الطاقة بهدف جعل التقنية صالحة للاستخدام التجاري في شاشات المستقبل.
ورغم هذه القيود، تؤكد الدراسة أن البكسل الجديد يتميّز بعدة ميزات أهم من كونه أصغر بكسل في العالم، تتمثل في:
• سطوع مماثل لشاشات OLED الحالية.
• استقرار جيد في الأداء.
• سهولة نسبية في التصنيع.
• قابلية استخدام عالية في الأجهزة الذكية.
ويشير الباحثون في بحثهم إلى أن نتائجهم تُظهر استراتيجية قابلة للتوسع لتجاوز القيود الإلكترونية والبصرية في الأجهزة الضوئية النانوية
آفاق مستقبلية لـ أصغر بكسل في العالم
يفتح ابتكار أصغر بكسل في العالم الباب أمام حقبة جديدة من الشاشات النانوية التي يمكن دمجها في العدسات أو الأسطح الزجاجية. لتعرض معلومات أو صور بأفضل دقة للمستخدم مباشرة.
ومع تحسين الكفاءة وتوسيع الطيف اللوني، قد تمثل هذه البكسلات الصغيرة بداية جيل جديد من شاشات الواقع الافتراضي والمعزّز. حيث تتميز بكونها أصغر حجماً وأوضح رؤيةً من أي وقت مضى.