أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

آخر الأخبار

الانقلاب الشتوي والانقلاب الصيفي: أسرار الفصول وأطول وأقصر الأيام

صورة تظهر شروق الشمس من الفضاء حيث تظهر أشعة الشمس من ورا الكرة الأرضية

في كل عام يمرّ علينا يوم 21 ديسمبر في ذروة البرد ويوم 21 يونيو وسط موجات الحر.. هذان اليومان يحملان سرّاً فلكياً لا يعرفه كثيرون. الأول صاحب أطول ليلة في السنة والثاني صاحب أطول نهار. وهما اليومان المخصصان لحدوث ظاهرتي الانقلاب الشتوي والانقلاب الصيفي.

في هذا المقال سنتحدث عن هاتين الظاهرتين لنكتشف كيف تؤثر على فصول السنة وعلى حياتنا اليومية دون أن ننتبه إلى ذلك.


أولاً: ما هو الانقلاب الشتوي؟

الانقلاب الشتوي ظاهرة فلكية تتكرر سنوياً. تحدث عندما تصل الشمس إلى أقصى انحدار لها نحو الجنوب بالنسبة لخط الاستواء السماوي، أي عندما تتعامد أشعتها على مدار الجدي (23.5° جنوباً). وتمثّل هذه اللحظة النقطة التي يميل فيها نصف الكرة الشمالي بأقصى درجة بعيداً عن الشمس نتيجة ميل محور الأرض.

(خط الاستواء السماوي هو امتداد وهمي لخط الاستواء الأرضي على قبة السماء ويقسم السماء إلى نصفين شمالي وجنوبي).

يحدث هذا الانقلاب عادةً في 21 أو 22 ديسمبر سنوياً، ويختلف التاريخ قليلاً حسب كل سنة. وبالنسبة لعام 2025م فإن الانقلاب الشتوي سيقع في 21 ديسمبر.

وفي هذا اليوم ستسلك الشمس أقصر مسار ظاهري لها عبر السماء. ويكون ارتفاعها في أدنى مستوى عند الظهيرة خصوصاً في المناطق الواقعة شمال خط الاستواء وبموقع أقرب للقطب. وبسبب ذلك يشهد نصف الكرة الشمالي أقصر نهار وأطول ليل في السنة. وفي الدائرة القطبية الشمالية فلا تشرق الشمس إطلاقاً وتعرف هذه الظاهرة باسم "الليل القطبي".

ويطلق على هذا اليوم أحياناً اسم "منتصف الشتاء" أو "أطول ليلة في السنة"؛ لأنه يمثّل ذروة فصل الشتاء من حيث قصر ساعات النهار وامتداد الليل.

يكون تأثير الانقلاب الشتوي أشدّ وضوحاً كلما ابتعدنا عن خط الاستواء باتجاه الشمال، ويخف تدريجياً في المناطق الاستوائية. وفي المقابل يمر نصف الكرة الجنوبي في هذا اليوم بـ الانقلاب الصيفي، إذ تتعامد أشعة الشمس على مدار الجدي لديه ويعيش أطول نهار في سنته.


ثانياً: ما هو الانقلاب الصيفي؟

الانقلاب الصيفي ظاهرة فلكية تتكرر أيضاً مرة واحدة كل سنة. وتحدث عندما تصل الشمس إلى أقصى موقع لها شمالاً بالنسبة لخط الاستواء السماوي أي عندما تتعامد أشعتها تماماً على مدار السرطان (خط العرض 23.5° شمالاً). ويمثل هذا الحدث الوقت الذي يميل فيه نصف الكرة الشمالي بأقصى درجة نحو الشمس ضمن ميل الأرض المحوري الثابت (23.5°).

يحدث الانقلاب الصيفي عادةً في 20 أو 21 يونيو، ويتغير التاريخ قليلاً من سنة إلى أخرى بسبب الفارق بين السنة الشمسية والسنة الميلادية. علماً أن الانقلاب الصيفي لعام 2025م سيحدث يوم 21 يونيو.

في هذا اليوم ستبلغ الشمس ذروتها في السماء وقت الظهيرة وخاصة في المناطق القريبة من مدار السرطان. وهذا يعني أن اليوم يكون صاحب أطول نهار في السنة وأقصر ليل في نصف الكرة الشمالي. وتزداد فترة سطوع الشمس كلما ابتعدنا شمالاً عن خط الاستواء حتى تصل إلى 24 ساعة من الضوء في الدائرة القطبية الشمالية.

وكما في الانقلاب الشتوي.. في نصف الكرة الجنوبي يحدث العكس: الشمس تكون في أدنى ارتفاع لها في السماء ويحل الانقلاب الشتوي هناك، أي أقصر نهار وأطول ليل.

يمثل هذا اليوم فلكياً نقطة تحوّل موسمية، حيث يبدأ معه فصل الصيف في النصف الشمالي. وتبدأ درجات الحرارة بالارتفاع تدريجياً، نتيجةً لازدياد ساعات التعرض لأشعة الشمس، رغم أن ذروة الحر غالباً ما تأتي بعد أسابيع من الانقلاب.


الفرق بين الانقلاب الشتوي والانقلاب الصيفي

رغم أن كلاً من الانقلاب الشتوي والانقلاب الصيفي يمثل نقطة تحوّل فلكية مهمة خلال العام.. إلا أن الفروق بينهما واضحة في موقع الشمس وطول النهار واتجاه ميل الأرض وكذلك في التأثيرات المناخية الناتجة عنهما. وكما قلنا سابقاً الانقلاب الصيفي يحدث عندما يكون نصف الكرة الشمالي مائلاً نحو الشمس فيعطي أطول نهار في السنة. بينما يحدث الانقلاب الشتوي عندما يميل نصف الكرة الشمالي بعيداً عن الشمس مؤدياً إلى أطول ليل. وتتكرر هاتين الظاهرتين كل عام، لكنهما تؤثران بطريقة متعاكسة في نصفي الكرة الأرضية.

رسم توضيحي للأرض والشمس، يشرح موضع الأرض بالنسبة ااشمس في كل من الانقلاب الشتوي والانقلاب الصيفي

ويُفيد التمييز بين الانقلاب الشتوي والانقلاب الصيفي في مجالات تتجاوز الفضول الفلكيّ.. فالمزارعون يضبطون جداول الزراعة والحصاد بناءً على تغيّر طول النهار وكمية الإشعاع الشمسي. والمهندسون يحدِّدون زوايا ألواح الطاقة الشمسية لضمان أعلى كفاءة خلال العام. كما يؤثِّر اختلاف الضوء على الساعة البيولوجية للإنسان، فينعكس ذلك على مستويات هرمون الميلاتونين وجودة النوم والمزاج العام. أما على الصعيد الثقافي قد شكّلت هذه الظواهر أساس تقاويم وحفلات موسمية عبر التاريخ، من طقوس حصاد الأرز في آسيا إلى احتفال "يول".. وهو عيد شتوي تقليدي نشأ في شمال أوروبا، يقام وقت الانقلاب الشتوي احتفاءً بعودة الشمس وطول النهار تدريجياً.

الجدول التالي يشرح الفرق بين الانقلابين بشكل مختصر:

الجانب المقارن الانقلاب الصيفي الانقلاب الشتوي
توقيت الحدوث 20 أو 21 يونيو 21 أو 22 ديسمبر
موقع الشمس عمودية على مدار السرطان (23.5° شمالاً) عمودية على مدار الجدي (23.5° جنوباً)
طول النهار أطول نهار في السنة أقصر نهار في السنة
طول الليل أقصر ليل في السنة أطول ليل في السنة
ميل محور الأرض النصف الشمالي مائل نحو الشمس النصف الشمالي مائل بعيدًا عن الشمس
بداية الفصل (في نصف الكرة الشمالي) بداية فصل الصيف بداية فصل الشتاء
التأثير في نصف الكرة الجنوبي بداية الشتاء وأقصر نهار بداية الصيف وأطول نهار
الظاهرة في المناطق القطبية شمس لا تغيب (في القطب الشمالي) ليل دائم (في القطب الشمالي)


ما الفرق بين هاتين الظاهرتين وظاهرتي الاعتدال الربيعي والخريفي؟

في دورة الأرض السنوية حول الشمس لا تحدث الانقلابات وحدها.. إنما يرافقها أيضاً اعتدالان مهمان؛ الاعتدال الربيعي والاعتدال الخريفي. وهما يُمثّلان محطتين فلكيتين دقيقتين. أي أن الاعتدال والإنقلاب يحدّدان الفصول لكنهما يختلفان في موقع الشمس وتوزيع الضوء وطول الليل والنهار.

أ. ما هو الاعتدال الربيعي؟

الاعتدال الربيعي يحدث سنوياً إما في يوم 20 مارس أو يوم 21 مارس. وذلك عندما تتعامد أشعة الشمس على خط الاستواء في نقطة يطلق عليها اسم "نقطة الحمل". وفي هذا اليوم يتساوى طول النهار والليل تقريباً في جميع أنحاء الكرة الأرضية. ويعتبر هذا الاعتدال بمثابة بداية فصل الربيع فلكياً في نصف الكرة الشمالي بينما يبدأ الخريف في النصف الجنوبي.

ويكون محور الأرض في هذا الوقت عمودياً تقريباً على أشعة الشمس، مما يتيح توزيعاً متوازناً لضوء النهار على نصفي الكرة الأرضية.

ب. ما هو الاعتدال الخريفي؟

يحدث الاعتدال الخريفي كل سنة في 22 أو 23 سبتمبر. ويُعتبر النقطة المقابلة للاعتدال الربيعي. فتتعامد فيه أشعة الشمس أيضاً على خط الاستواء ويتساوى طول الليل والنهار كما في الاعتدال الربيعي. لكنه يُمثّل بداية الخريف في نصف الكرة الشمالي، وبداية الربيع في النصف الجنوبي أي الاعتدال الخريفي يمثل العكس تماماً للاعتدال الربيعي.

هذا الاعتدال يسبق الانقلاب الشتوي ويهيّئ الأرض تدريجياً نحو قِصر النهار وطول الليل في نصفها الشمالي.

ج. ما الفرق بين الانقلاب الشتوي والصيفي والاعتدالين الربيعي والخريفي؟

يكمن الفارق الأساسي بين الانقلابين والاعتدالين في زاوية ميل الأرض بالنسبة للشمس وبالتالي في توزيع الضوء على الكرة الأرضية:

في الاعتدالين (الربيعي والخريفي): تتعامد أشعة الشمس على خط الاستواء ويكون هناك توازن بين طول الليل والنهار.

في الانقلابين (الصيفي والشتوي): تتعامد أشعة الشمس على أحد المدارين (السرطان أو الجدي)، ما يؤدي إلى أقصى تفاوت بين الليل والنهار؛ أي أطول نهار أو أطول ليل بحسب الفصل والموقع الجغرافي.

إنفوجرافيك يوضح موض الأرض ومحورها بالنسبة للشمس في من الانقلابين والاعتدالين
إنفوجرافيك يوضح موقع الأرض بالنسبة للشمس في كل من الانقلاب الشتوي والانقلاب الصيفي والاعتدال الربيعي والخريفي


أسئلة شائعة:

لماذا لا يكون الانقلاب في نفس التاريخ كل سنة؟

الانقلابات لا تحدث في نفس التاريخ لأن السنة التي نعتمدها في تقومينا (السنة الميلادية) ليست متطابقة تماماً مع السنة الفلكية الحقيقية، وهي المدة الكاملة التي تستغرقها الأرض لإتمام دورة كاملة حول الشمس.

السنة الميلادية لدينا تُحسب على أساس 365 يوماً، وكل أربع سنوات نضيف يوماً (29 فبراير) لتصحيح الفارق وهذا ما يعرف باسم السنة الكبيسة.

أما السنة الفلكية فتبلغ حوالي 365.2422 يوماً وهي أطول من السنة العادية بحوالي 6 ساعات.

هذا الفارق الصغير جداً –أقل من ربع يوم– يتراكم سنة بعد سنة، مما يجعل الانقلاب الصيفي أو الشتوي "ينزلق" قليلاً على التقويم، فيقع أحياناً في 20 من الشهر وأحياناً في 21 أو حتى 22 بحسب السنة.

أي وباختصار شديد.. الأرض تدور بدقة متناهية ولكن تقاويمنا تتأقلم مع دورتها بالحد الأدنى من "المجازفة الزمنية"، ولهذا تتغيّر تواريخ الانقلاب من عام لآخر.

هل يشعر الإنسان فعلياً بتغيير في يوم الانقلاب؟

الجواب: نعم يشعر ولكن ليس الأمر ليس كما تظن.

في يوم الانقلاب نفسه لا يشعر الإنسان بتغيير حادّ أو مفاجئ. فلن تستيقظ في 21 يونيو لتجد الشمس تصرخ: أنا في أعلى نقطة! ولن تسمع الليل يهمس في 21 ديسمبر: أنا أطول الليالي.

ولكن جسدك دون أن تدري يُسجّل كل شيء: فتتأثر ساعتك البيولوجية بطول النهار ويتغير معدل إفراز الهرمونات كالميلاتونين والسيروتونين وتبدأ بشرتك باستشعار فرق الضوء والحرارة. وحتى مزاج الإنسان يتبدل مع تقلّب الضوء.

وما لا تلاحظه بلحظته تدركه مع التكرار. فبعد أيام من الانقلاب، تبدأ التغيرات تظهر تدريجياً عندما يزداد الضوء أو يتناقص ببطء.

إذن، في يوم الانقلاب بالذات؟

لا تسمعه ولا تراه لكنك حتماً تعيشه.

ما هي المسافة بين الأرض والشمس في يوم الانقلاب الشتوي؟

تكون الأرض في يوم الانقلاب الشتوي على مسافة تقدّر بـ 147.5 مليون كيلومتر من الشمس. أي أنها على عكس المعتقد تكون قريبة نسبياً من الشمس، وتستمر بالاقتراب حتى تبلغ أقرب نقطة في مدارها (الحضيض الشمسي) في أوائل شهر يناير.

وقد تتسائل: رغم هذا القرب ولكن الجو بارد؟!

في الواقع إن برودة الطقس لا تنتج عن بُعد الأرض عن الشمس إنما عن ميل محور الأرض حيث يكون النصف الشمالي مائلاً بشكل بعيد عن الشمس. مما يقلل من زاوية سقوط الأشعة وتقل ساعات النهار فيؤدي هذا إلى انخفاض درجات الحرارة.

ملاحظة: فرضنا في هذا السؤال والذي يليه حدوث الانقلاب في القسم الشمالي من الأرض أي أن القسم الجنوبي يحدث به الانقلاب المعاكس في ذات الوقت.

ما هي المسافة بين الأرض والشمس في يوم الانقلاب الصيفي؟

في يوم الانقلاب الصيفي تكون الأرض في جزء من مدارها يعرف بـ الأوج الشمسي. حيث تكون في أبعد نقطة تقريباً عن الشمس خلال السنة. وتقدّر هذه المسافة بـ 152.1 مليون كيلومتر.

وهنا تتجلى المفارقة العلمية: فرغم أن الأرض تكون أبعد ما يمكن عن الشمس إلا أن الطقس في نصف الكرة الشمالي يكون في أوج حرارته. وذلك لأن هذا النصف يكون مائلاً نحو الشمس فتكون أشعتها أكثر حرارة ويطول النهار مما يزيد من تراكم الإشعاع الحراري.

إذن، المسافة بين الأرض والشمس لا تحدد الفصول، بل ميل محور الأرض هو المتحكم الحقيقي في اللعبة الموسمية.


ختاماً عن هذه الظواهر

حين نتأمل هذه الظواهر العجيبة من الانقلابات إلى الاعتدالات.. ومن ميلان الأرض إلى تغير الفصول.. ندرك أننا نعيش ضمن نظام كونيّ بالغ الدقة لا مجال فيه للصدفة أو الفوضى.

فكل ثانية من النهار وكل درجة من ميل الشمس وكل مسار تدور فيه الأرض هو إبداع إلهي محسوب بحكمة وميزان لا يختل.

وقد صدق اللّٰه العظيم إذ قال:

﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [سورة الأنبياء، الآية رقم 33]

ليست الانقلابات مجرّد محطات فلكية عابرة بل هي آيات كونية ناطقة تذكرنا بعظمة الخالق وقدرته وتدعونا لنتأمل لا في حركة الشمس فحسب بل في ثبات القوانين واطراد الإبداع الذي بُني عليه هذا الكون.

وبين الانقلاب الشتوي والانقلاب الصيفي.. وعن أطول نهار وأقصر ليل؛ تبقى الأرض تدور بأمر اللّٰه معلنة لنا أن في كل فصل بداية جديدة، وفي كل تغيير حكمة تستحق التفكر.

AYA BRIMO
AYA BRIMO