أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

آخر الأخبار

كوكب أورانوس: الكوكب الجليدي المائل وأسراره الغريبة

صورة ملتقطة بواسطة مركبة فوياجر 2 لكوكب أورانوس

حين ننظر إلى السماء لا نرى سوى أضواء صغيرة بسيطة.. ولكن خلف تلك الأضواء عوالم كاملة تسبح في صمت منذ بلايين السنين. ومن بين هذه العوالم يبرز كوكب أورانوس كأحد أكثر الكواكب غموضاً في نظامنا الشمسي. كوكب بارد وبعيد ويدور بطريقة غريبة تجعله خارجاً عن المألوف حتى بين جيرانه من الكواكب.

في هذا المقال سنطرح لكم معلومات عن كوكب أورانوس لنكتشف بها حقيقته وخصائصه وأغرب ما يميّزه عن سائر الكواكب.


مقدمة عن كوكب أورانوس

كوكب أورانوس (بالإنجليزية Uranus) هو سابع كوكب في ترتيب المجموعة الشمسية من حيث البعد عن الشمس. حيث يقع بين كوكب زحل ذو الترتيب السادس وكوكب نبتون ذو الترتيب الثامن.

يبعد عن الشمس بمسافة تُقدَّر بنحو 2.9 مليار كيلومتر، وهي مسافة بعيدة تجعله أحد الكواكب الجليدية العملاقة التي تميّز النظام الشمسي. مدة اليوم على أورانوس تبلغ حوالي 17 ساعة و14 دقيقة أرضية فقط. أي أنه يدور حول محوره بسرعة نسبية رغم حجمه الضخم.

أما بالنسبة للدوران حول محوره (مدة العام على سطحه)؛ فهو يتمم دورة كاملة حول الشمس في مدة تصل إلى حوالي 84 سنة أرضية.

اكتُشف أورانوس عام 1781م على يد الفلكي البريطاني ويليام هيرشل وكان أول كوكب يتم اكتشافه باستخدام التلسكوب، ممثلاً تحولاً في فهم البشر للكون حينها.

يختلف هذا الكوكب عن باقي الكواكب بميزة فريدة وهي ميل محوره الحاد جداً الذي يصل إلى نحو 97.77 درجة. أي أنه يدور على جانبه تقريباً، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على تعاقب الفصول على سطحه. إذ يمكن لأحد قطبيه أن يواجه الشمس بشكلٍ مباشر لأكثر من 40 سنة أرضية متواصلة.

ويبلغ قطر كوكب أورانوس 51,118 كيلومتراً أي أنه ثالث أكبر كوكب في المجموعة الشمسية من حيث الحجم بعد كل من كوكب المشتري وكوكب زحل. ورغم ضخامته فإن كثافته منخفضة نسبياً. ولكن تكوينه الداخلي يعتمد على مزيج من الجليد والماء والأمونيا والميثان، لذلك يصنَّف ككوكبٍ جليديٍّ عملاق وليس غازيَّاً كالمشتري وزحل.

يغلب على مظهر أورانوس اللون الأزرق المخضر بسبب وجود غاز الميثان في غلافه الجوي الذي يمتص الأطوال الموجية الحمراء من ضوء الشمس ويعكس الزرقاء. وعلى الرغم من كونه كوكباً بعيداً وبارداً، إلا أنه يحتفظ بأسرار كثيرة لم تكتشف بعد، خصوصاً أنه لم تَزرْه سوى مركبة فضائية واحدة حتى الآن وهي فوياجر 2 التي مرّت بجواره عام 1986م وهي ذات المركبة الوحيدة التي مرت بجانب كوكب نبتون.


التركيب والبنية الداخلية لكوكب أورانوس

عند التحدث عن كوكب أورانوس فإن بنية هذا الكوكب تعتبر من أكثر الجوانب التي تثير اهتمام الباحثين نظراً لاختلافها الجذري عن الكواكب الغازية.

فالكوكب يصنف ضمن فئة الكواكب الجليدية العملاقة (Ice Giants)، ما يعني أن تركيبته الداخلية تعتمد على نسب عالية من المواد الجليدية مقارنة بالهيدروجين والهيليوم.

ويتكون من:

 1. النواة الصخرية

في مركز أورانوس توجد نواة صغيرة الحجم نسبياً تتكوّن من معادن وصخور كثيفة. الكتلة الدقيقة للنواة لا تزال غير مؤكدة نظراً لغياب بعثات هبوط مباشرة عليه، ولكن التقديرات تشير إلى أنها تحتوي على مكونات مشابهة لنوى الكواكب الأخرى كالسيليكات والحديد.

 2. الطبقة السائلة أو "السترات الجليدية"

فوق النواة مباشرة توجد طبقة سميكة تدعى السُتْرات؛ وهي عبارة عن خليط مضغوط من الماء والميثان والأمونيا في حالة سائلة أو شبه سائلة تحت ضغط هائل. وهذه الطبقة تشكل النسبة الأكبر من كتلة الكوكب وتعتبر مسؤولة عن العديد من الظواهر الفيزيائية والكيميائية بداخله.

ومن المفاجئ أن درجات الحرارة في هذه المنطقة تصل إلى آلاف الدرجات المئوية رغم أن الكوكب يبدو بارداً من الخارج. وهناك دراسات تتحدث عن أن التفاعلات الكيميائية داخل هذه الطبقة تنتج ألماساً صلباً بفعل الضغط الهائل وهي فرضية لازالت تخضع حالياً للدراسة المكثفة في مختبرات المحاكاة.

 3. الغلاف الجوي الخارجي

الطبقة العلوية للكوكب تعرف بالغلاف الجوي، وتتكون أساساً من الهيدروجين بنسبة 83% والهيليوم بنسبة 15% ونسبة صغيرة من الميثان (2%). وكما ذكرنا؛ الميثان يلعب دور بصري أساسي في لون الكوكب أما الغازات الأخف كالهيدروجين والهيليوم فتشكّل قاعدة الغلاف الجوي وتتحكم في الكثافة والضغط.

كثافة غلافه الجوي أقل من كثافة الغلاف الغازي لكوكب المشتري، ولكن ما يميزه هو غياب الحرارة الداخلية النشطة تقريباً. أي أن أورانوس لا يشع حرارة من داخله كما تفعل الكواكب الأخرى وهذا لا يزال يشكل لغزاً فلكياً قائماً حتى الآن.


الطقس على كوكب أورانوس

من بين جميع الكواكب في المجموعة الشمسية يتميز أورانوس يطقس فريد وغامض يسهم غلافه الجوي في تشكيله. 

1. درجات الحرارة المنخفضة

رغم أن كوكب نبتون هو أبعد كوكب عن الشمس، إلا أن أورانوس هو من يمتلك أدنى درجة حرارة مسجلة في المجموعة الشمسية. وتصل إلى حوالي 49 كلفن (أي ما يعادل 224- درجة مئوية). وهذه البرودة الشديد سببها عدم وجود حرارة داخلية منبعثة.

2. الرياح القوية والعواصف

رغم هدوء مظهره فإن الطبقات السفلى من غلافه تشهد رياحاً عاتية تصل سرعتها إلى أكثر من 900 كم/ساعة.

تتركز هذه الرياح غالباً في خطوط العرض الاستوائية وتنتج عن حركة الغازات الداخلية وتوزيع الحرارة غير المتوازن. وقد تم رصد أعاصير مظلمة تشبه البقع التي تظهر على نبتون بواسطة تلسكوب هابل.

والغريب أن هذه الرياح والعواصف تنشط بشكل دوري رغم غياب الحرارة الداخلية النشطة.. وهذا يشير إلى وجود آليات غير مفهومة تماماً في الغلاف الجوي لكوكب أورانوس.


الميل المحوري والفصول على كوكب أورانوس

من بين أهم المعلومات عن كوكب أورانوس وأكثرها غرابة هو ميل محوره الدوراني الذي ذكرنا أنه يبلغ نحو 97.77 درجة. أي أنه يدور حول نفسه وهو مائل تقريباً على جانبه. وهذا الميل الشديد لا يشبه ما نراه على أي كوكب آخر في المجموعة الشمسية. حيث يؤدي إلى ظواهر موسمية شديدة القساوة أبرزها:

1. الشمس تشرق على قطب وتغيب عن الآخر

نتيجة لهذا الميل فإن أحد قطبي أورانوس يمكن أن يواجه الشمس بشكل مباشر لمدة تصل إلى 42 سنة أرضية متواصلة. بينما يبقى القطب الآخر في ظلام شبه تام طوال الفترة نفسها.

2. الفصول على أورانوس: قاسية وغير مألوفة

عندما يدور الكوكب في مداره الذي يتمه في 84 سنة أرضية، تتعاقب الفصول على سطحه ببطء، بحيث يكون لكل فصل مدة تقارب 21 سنة.

وبعكس كوكب الأرض حيث الفصول تنجم عن ميل محوري معتدل (23.5°)، أورانوس يشهد فصولاً شبه قطبية. فخلال الصيف أو الشتاء كما ذكرنا آنفاً يتلقى أحد القطبين إشعاعاً شمسياً دائماً تقريباً بينما يغرق القطب الآخر في برودة مظلمة.

أما خلال فصلي الربيع والخريف؛ فيكون الكوكب في وضعية تجعل الشمس تشرق وتغرب على خط الاستواء، وهو الوقت الوحيد الذي يكون فيه توزيع الضوء أقرب إلى الطبيعي.

وبالنسبة للسبب المحتمل لهذا الميل الغريب فالفرضية الأرجح تشير إلى أن أورانوس تعرض في الماضي لاصطدام هائل بكوكب ضخم أدى إلى إمالته بهذا الشكل غير المعتاد. هذه الفرضية تفسّر أيضاً بعض خصائصه الأخرى كتوزيع الحرارة الداخلي غير المنتظم وربما تكوين حلقاته غير المستوية.


الأقمار والحلقات

لأورانوس نظام معقد من الأقمار والحلقات، ويعتبر من أكثر الأنظمة غرابة في المجموعة الشمسية. ورغم أن الكوكب لا يملك شهرة زحل من حيث الحلقات إلا أن تركيبته القمرية والحلقية تستحق الدراسة الدقيقة.

1. عدد أقمار كوكب أورانوس وأسماؤها

يمتلك أورانوس 28 قمراً مؤكداً حتى اليوم وتتفاوت هذه الأقمار في الحجم والتركيب والسطوع. ولكن المثير للاهتمام أن جميعها سُمّيت تيمناً بشخصيات من أعمال شكسبير والشاعر ألكسندر بوب، خلافاً للتقاليد الفلكية التي تعتمد عادة على أسماء "آلهة" أسطورية.

صورة لكوكب أورانوس وتظهر معه حلقاته وأقماره
تظهر هذه الصورة الملتقطة بواسطة تلسكوب جيمس ويب عام 2023م كوكب أورانوس وأكثر أقماره إضاءة

أشهر هذه الأقمار:

  • ميراندا (Miranda): أصغرها حجماً، لكنه يتميز بسطح مشوه وجبال شاهقة ووديان عميقة.
  • آرييل (Ariel): من أكثر الأقمار سطوعاً ويرجح أن سطحه مغطى بالجليد.
  • أمبرييل (Umbriel): قاتم جداً ويعكس الضوء قليلاً.
  • تيتانيا (Titania): أكبر قمر لأورانوس.
  • أوبيرون (Oberon): ثاني أكبر الأقمار لأورانوس.

تقع معظم هذه الأقمار في مدارات منتظمة قريبة من الكوكب، وتدور جميعها تقريباً في المستوى الاستوائي لأورانوس.

2. نظام الحلقات: خفي ومعقّد

رغم أن حلقات أورانوس لا يمكن رؤيتها بسهولة كحلقات زحل إلا أنه يمتلك 13 حلقة مؤكدة تم اكتشافها لأول مرة عام 1977م باستخدام ظاهرة "احتجاب النجوم".

(احتجاب النجوم هي ظاهرة فلكية تحدث عندما يمر جسم سماوي أمام نجم أو كوكب فيحجبه مؤقتاً عن الرؤية من الأرض. وتستخدم هذه الظاهرة لدراسة أبعاد الأجسام ووجود غلاف جوي أو حلقات حولها بدقة عالية).

وقد أكّدت مركبة فوياجر 2 هذا الاكتشاف عند مرورها بالقرب من الكوكب عام 1986م.

صورة يظهر فيها كوكب أورانوس مع حلقاته
صورة حديثة لحلقات كوكب أورانوس ملتقطة بواسطة تلسكوب جيمس ويب عام 2023م

وينقسم النظام الحلقي إلى:

أ. الحلقات الداخلية: هي حلقات ضيقة جداً وتتكوّن من جسيمات داكنة يتراوح قطرها بين سنتيمترات ومئات الأمتار وهي شبه غير مرئية في الضوء المرئي.

ب. الحلقات الخارجية: أكثر تباعداً وأقل كثافة، تم رصد بعضها لاحقاً بفضل تلسكوبات مثل هابل ومرصد كيك.

وتشير الدراسات إلى أن هذه الحلقات تتكون من مواد صخرية وجليدية داكنة للغاية مما يفسر ضعف انعكاسها للضوء. ورجح العلماء أن بعض هذه الحلقات قد تكون نتيجة تصادمات بين أقمار صغيرة تحطّمت بمرور الزمن.


الاستكشاف الفضائي لكوكب أورانوس

كما الحال في كوكب نبتون؛ تعتبر زيارة مركبة فوياجر 2 (Voyager 2) الحدث الوحيد الذي وفّر بيانات مباشرة من هذا الكوكب البعيد. وقد تم ذلك في 24 يناير 1986م عندما مرت المركبة بجوار أورانوس على مسافة نحو 81,500 كيلومتر من سُحُبِه العليا في رحلة خاطفة استغرقت بضع ساعات فقط.

 1. أهم الاكتشافات العلمية في هذه الزيارة

المجال المغناطيسي الغريب

فوجئ العلماء بأن أورانوس يمتلك مجالاً مغناطيسياً مائلاً بزاوية 59° عن محوره الدوراني ولا يمر عبر مركز الكوكب وهو أمر غير معتاد مقارنة بباقي الكواكب. إضافة إلى أن هذا المجال غير المتماثل ينتج نمطاً شاذاً من النشاط المغناطيسي وتفاعلات غير متوقعة مع الرياح الشمسية.

اكتشاف حلقات وأقمار

أكدت فوياجر 2 وجود 10 حلقات كانت معروفة حينها، وكشفت عن مزيد من الأقمار من بينها بيليا وكوردليا وأوبيريا. كما وفرت صوراً عالية الدقة لسطح القمر ميراندا الذي ظهر بشكل مشوه ومعقد نتيجة نشاط جيولوجي غير مفسّر.

قياسات الغلاف الجوي

أجرت المركبة تحليلاً للغلاف الجوي العلوي، مؤكدة تركيبته من الهيدروجين والهيليوم والميثان، كما وثقت درجات حرارة منخفضة جداً تقارب 224- درجة مئوية مما دعم فكرة أن أورانوس هو أبرد كوكب في المجموعة الشمسية.

صور الطقس والبنية

رغم أن الصور أظهرت غلافاً جوياً هادئاً نسبياً، إلا أن التحليل الطيفي بيّن وجود تباينات حرارية خفية ودوامات واسعة غير مرئية بالعين المجردة في نطاق الضوء المرئي.

ورغم القيمة العلمية الهائلة لبيانات فوياجر 2، فإن أورانوس لم يزره أي مسبار آخر حتى اليوم ولا تزال الحاجة إلى بعثة جديدة قائمة خاصة لفهم تركيبه الداخلي وسلوكه المغناطيسي بشكل أدق.


ختاماً.. عن عظمة خالق الكواكب

إن استكشاف كوكب أورانوس يكشف لنا جانباً من روعة النظام الكوني ودقّته المذهلة. فعلى الرغم من بعده الهائل وبرودته القارسة، تبقى هذه الكواكب دليلاً حيّاً على عظمة الله في خلق الكون. فالمحور المائل ودرجة الحرارة المنخفضة، وكل مدار دقيق… ليس إلا آية من آيات الإبداع الإلهي.

وعندما نتأمل هذا الإتقان في تفاصيل كواكب المجموعة الشمسية، ندرك أنّ كل ذلك ليس عبثاً، بل دليلٌ ناطق على عظمة الخالق ﷻ الذي قال: ﴿سَنُرِیهِمۡ ءَایَـٰتِنَا فِی ٱلۡـَٔافَاقِ وَفِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ یَتَبَیَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ یَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدٌ﴾ [سورة فصلت الآية رقم: 53].

حقاً، التفكر في خلق الكواكب هو دعوة مفتوحة للتأمل في قدرة الله اللامحدودة وعظمة هذا الكون الفسيح.

AYA BRIMO
AYA BRIMO