منذ إطلاق نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي وعلى رأسها ChatGPT، وقد تغيّرت طريقة وصول ملايين المستخدمين إلى المعلومات. فسؤال واحد كفيل بالحصول على إجابة مكتوبة بعناية وملخّصة وجاهزة للاستخدام. وهذا الإحساس بـ التعلّم السهل جعل الذكاء الاصطناعي يبدو أداة مثالية للمعرفة السريعة. لكن دراسة أكاديمية حديثة تشير إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في التعلّم بهذه الطريقة السهلة قد يحمل ثمناً معرفياً غير متوقعاً.
هل استخدام الذكاء الاصطناعي في التعلّم يسبب ضرراً فعلياً؟
أظهرت دراسة نشرتها مجلة The Conversation أن التعلّم بواسطة الذكاء الاصطناعي غالباً ما يؤدي إلى معرفة أكثر سطحية مقارنة بالبحث التقليدي عبر محركات البحث مثل غوغل.
وقد استندت هذه الدراسة إلى سبع تجارب شملت أكثر من عشرة آلاف مشارك. وفي كل تجربة طُلب من المشاركين التعلّم حول موضوعات عملية وبسيطة -على سبيل المثال طريقة إنشاء حديقة منزلية- ومن ثم جرى تقسيمهم عشوائياً إلى مجموعتين.
المجموعة الأولى استخدمت نموذجاً لغوياً ذكياً كـ ChatGPT، بينما اعتمدت المجموعة الثانية على البحث التقليدي عبر محرك البحث غوغل وعلى التنقّل بين الروابط والمصادر.
ولم يتم فرض على المشاركين أي قيود على طريقة الاستخدام؛ فكان بإمكانهم طرح عدد غير محدود من الأسئلة على الذكاء الاصطناعي، أو قضاء الوقت الذي يرغبون فيه في تصفّح نتائج البحث التقليدية.
وبعد انتهاء مرحلة البحث، طلب الباحثون من الجميع كتابة نصائح موجّهة إلى صديق حول الموضوع الذي تعلّموه، وذلك اعتماداً على معرفتهم المكتسبة.
نتائج الدراسة: معرفة أقل بوجود الذكاء الاصطناعي!
أظهرت النتائج نمطاً متكرّراً وواضحاً. فالمشاركون الذين اعتمدوا على استخدام الذكاء الاصطناعي في التعلّم شعروا بأنهم تعلّموا أقل وبذلوا جهداً أضعف في كتابة النصائح. وكانت كتاباتهم أقصر وأقل دقة وأكثر عمومية مقارنةً بمن استخدموا البحث التقليدي.
والأهم من ذلك أن هذه النصائح، حين عُرضت على قرّاء مستقلّين لا يعلمون أي أداة استُخدمت في التعلّم، وُصفت النصائح بأنها أقل فائدة وأقل إقناعاً.. كما أبدى القرّاء استعداداً أقل لتبنّيها أو العمل بها.
حتى عند توحيد المعلومات يبقى استخدام الـ AI أقل فاعلية!
قد يبدو التفسير الأولي لهذه النتائج منطقياً.. فالبحث عبر غوغل يعرض للمستخدم مصادر متنوّعة ومعلومات متباينة، بينما يقدّم التعلّم عبر الذكاء الاصطناعي خلاصة واحدة جاهزة.
لكن حتى هذا الاحتمال تم اختباره؛ ففي إحدى التجارب عرض الباحثون على المشاركين نفس مجموعة الحقائق تماماً، سواء استخدموا غوغل أو ChatGPT. وفي تجربة أخرى استخدم الباحثون منصة غوغل نفسها، مع مقارنة التعلّم من النتائج التقليدية مقابل استخدام ميزة نظرة عامة بواسطة الذكاء الاصطناعي (الملخصات).
ورغم ذلك ظلّ الفارق قائماً؛ فحتى عند ثبات المنصة والمعلومات، أدّى التعلّم عبر الإجابات المُركّبة الجاهزة إلى معرفة أكثر سطحية مقارنة بعملية البحث والقراءة والتفسير الذاتي للمعلومات.لماذا التعلم بواسطة الـ AI يأتي بنتائج ضعيفة؟
تفسّر الدراسة هذه النتائج بمبدأ أساسي في التعلّم: البشر يتعلّمون بشكل أفضل عندما يكونون مشاركين بشكل نشط. فالبحث التقليدي يفرض ما يُدعى بـ الاحتكاك المعرفي؛ حيث يضطر المستخدم إلى التنقّل بين مصادر متعددة ومقارنة المعلومات وبناء فهمه الخاص.وفي حالة استخدام الذكاء الاصطناعي في التعلّم فلا يوجد أي احتكاك معرفي؛ حيث يفرض النموذج تحليله وفهمه الخاص لأي موضوع على المستخدم الذي يطلب الإجابة.
اي أن الجهد المبذول في التعلّم بطريقة البحث رغم صعوبته إلا أنه يخلق تمثيلاً ذهنياً أعمق وأكثر ثباتاً. وفي المقابل يقوم الذكاء الاصطناعي بهذه العملية كاملةً نيابةً عن المستخدم، مما يحوّل التعلّم من نشاط نشط إلى تجربة استهلاكية سلبية.
هل الحل هو التخلّي عن الذكاء الاصطناعي؟
الدراسة المنشورة لا تحذّر من استخدام الذكاء الاصطناعي في التعلّم، وتؤكد أنه أداة شديدة الفائدة في كثير من السياقات. لكن بالمقابل يجب التشديد على ضرورة الاستخدام بذكاء واستراتيجية.
فإذا كان الهدف هو الحصول على إجابة سريعة أو معلومة مباشرة، فإن الذكاء الاصطناعي خيار فعّال.
أما إذا كان الهدف بناء معرفة عميقة وقابلة للتطبيق في سياقات مختلفة، فإن الاعتماد على الملخّصات الجاهزة وحدها لن يكون كافياً.
• لا يتحمّل عربي Daily Post المسؤولية عن أي قرارات مبنية على المحتوى المنشور.
• للاطلاع على معايير العمل التحريري يمكن مراجعة سياسة التحرير، وللتفاصيل القانونية يُرجى الرجوع إلى البند (6) من اتفاقية الاستخدام المتعلق بإخلاء المسؤولية وحدود المسؤولية.
تم الاعتماد في كتابة هذا المقال على المصادر التالية:
• بحث منشور بتاريخ 2025/11/19م في مجلة The Conversation.
تم إعداد هذا المقال بواسطة فريق عربي Daily Post وفق منهجية تحريرية تعتمد على جمع المعلومات من مصادر موثوقة، ثم مراجعتها وتدقيقها وتحليلها، لضمان دقة المحتوى وموثوقيته بما يتوافق مع أعلى معايير المهنية والشفافية.
