أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

بحر يتكوّن في إفريقيا.. هل يتغيّر شكل الأرض مع مرور الزمن؟

بدأت القصّة عام 2005م، عندما اكتشف العلماء صدعاً ضخماً يناهز طوله الـ 50كم في صحراء أثيوبيا. كان قد تشكّل تحت وطأة النشاط الزلزالي والبركاني في المنطقة، وحينها بدأ ظهور الآراء والنظريّات حول مستقبل هذا الصدع. وهل سيكون سبباً في تشكّل بحر جديد في إفريقيا.

خريطة تبين البحر المتوقع تشكله في إفريقيا

وظلّ ذلك السؤال مثيراً للجدل حتى عام 2009م، حيث نشرت مجلّة "جيوفيزكال ريسيرش ليتيرز" Geophysical research letters، دراسةً بعنوان "الفرع الجديد الجنوبي الغربي من صدع شرق إفريقيا" The embryonic South West Branch of the East African Rift.

أكّدت فيها أنّ الصدع الصحراوي الإفريقي يتوسّع بمقدار (2~3) مم سنوياً، ليتسبّب في بحر جديد قيد التكوين. وأكّد الباحثون أنّ التفاعلات البركانيّة الحاصلة أسفل الصدع الأثيوبي؛ تشبه تلك التي تحدث في المحيطات الأخرى في العالم. وذلك يؤكّد أن هذه المنطقة تخضع لتحوّلٍ ما، يعتقد البعض أننا سنرى نتيجته بحر في إفريقيا.

على عكس المعتاد في تشكّل الصدوع الأرضيّة التي تحتاج لملايين السنين. كصدع البحر الأحمر الذي تشكّل نتيجة ابتعاد الصفيحة العربيّة عن الصفحية الإفريقيّة متّجهةً نحو الشمال الشرقيّ. فقد ظهرت معظم أجزاء الصدع الإفريقي خلال أيّامٍ قليلة، عندما اندلعت الصهارة في منتصفه؛ ممّا أدّى إلى زيادة مساحته. في سيناريو مشابه لذلك الذي شهده المحيط الأطلسيّ إبّان تكوّنه، والذي مازال يتوسّع حتى الآن بمقدار 20سم سنوياً.


شكل القشرة الأرضية وتأثيرها على تشكّل البحر في إفريقيا

قشرة الأرض ليست كتلة ثابتة مصمتة بالكامل، ولتقريب الصورة لنأخذ قشر البرتقالة مثالاً على ذلك، فإذا قمنا بإزالة القشر يدويّاً، وبعد إعادة الأجزاء المتفرقة منه إلى أماكنها نحصل على شكل تقريبي للقشرة الأرضيّة. فهي تشبه إلى حدٍّ ما قطع الأحجيات المطلوب تركيبها للحصول على صورة أو شكل معيّن. ويبدو أن إحدى حدود تلك القطع تساهم الآن بخلق بحر جديد شرق إفريقيا.


دور الزلازل في تشكيل الأرض

لم يكن شكل الأرض الذي نعرفه اليوم على ما هو عليه قبل مئات الملايين من السنين. حيث يعتقد العالم الألماني ألفريد فيجنر في بداية القرن العشرين بنظرية الإنجراف القارّي الكبير؛ وجود قارة بانجيا التي كانت جزءاً من القشرة الأرضيّة قبل حوالي 200 مليون سنة، وانفصلت عن بقيّة الصفائح متّجهةً نحو الشمال الشرقي لتصبح جزءاً من الهند وجنوب آسيا اليوم.

كما تنصّ النظريّة على أنّ القشرة الأرضيّة تتكوّن من عدّة صفائح صلبة تسمّى بـ الصفائح التكتونيّة، والتي تطفو فوق الحمم المنصهرة وتكون في حركة مستمرّة. وقد تمّ دعم النظريّة في العقد الثالث من القرن العشرين عن طريق العالم آرثر هولمز الذي وسّع الأدلّة الجيولوجيّة لإثباتها.

وهنا لا يمكن أن نغفل عن مساهمة الزلازل التي تنشأ عن حركة صفائح القشرة الأرضيّة واصطدامها مع بعضها في مختلف بقاع الأرض. وكذلك البراكين والتفاعلات الطبيعيّة الأخرى في تشكيل جغرافيا الكوكب. فتلك جبال الهيمالايا التي تتّصف بأنها أعلى القمم الجبليّة عالميّاً؛ والتي تقع جنوب آسيا وتمتد لأكثر من 2,400كم شرقاً وغرباً، يعتقد أخصّائيّو الجيولوجيا أنها تشكّلت بفعل صدام قارّة الهند بقارّة آسيا قبل ما يقارب الـ50 مليون عام، عندها تحركت الهند شمالاً وانزلقت تحت اللوحة الآسيويّة، مما أدّى لزيادة الضغط والحرارة وانصهار الصخور والمعادن وصعودها إلى السطح، مكوّنةً بذلك قمماً يتجاوز ارتفاعها 8,000م فوق سطح البحر، فإذا كانت الزلازل سبباً في تشكيل أعلى القمم الجبليّة؛ فلم لا تشكّل بحراً في إفريقيا.

التغيرات المفاجئة بسبب الزلازل

في أماكن أخرى قد تسبّب الزلازل انحراف محور الأرض. وذلك ما أكّده علماء وكالة الفضاء الأمريكيّة ناسا بأنّ محور الأرض قد تحرّك بمقدار 8سم نتيجة الزلزال الذي ضرب تشيلي عام 2010م بقوة 8,8 درجة على مقياس ريختر. ونتج عن ذلك تقلّص في دوران الأرض حول نفسها ليقصر طول اليوم الواحد بمقدار 1,26 ميكروثانية؛ أي 1,26 جزء من مليون جزء من الثانية.

وفي تركيا أظهرت الصور تحرّك الطرق والسكك الحديدية نحو 3م للغرب، بسبب الزلزال الذي ضرب ولاية كهرمان مرعش، فجر السادس من فبراير عام 2023م، وقد فسّر المختصّون ذلك بتحرّك الصفيحة الأناضوليّة غرباً بعد اصطدام الصفيحتين الأوراسيّة والعربيّة بها.


تهديد استمرار الحياة على الأرض

لطالما تغلّبت الأرض على العديد من التحدّيات التي هدّدت استمرار الحياة عليها عدّة مرات خلال تاريخها. كيف لا إذا كانت كوارثها ضرورةً لاستمرار حياة أبنائها. فنرى الزلازل تارةً تكون سبباً في تشكّل البحار أو تفجّر الينابيع، وفيروسٌ في حين آخر يغلق مصانع العالم ويوقف حركته، لتجد الكائنات متنفّساً لبضعة أيّامٍ بعيداً عن الهواء الملوّث. كأنّ كوارث هذا الكوكب تعالج بعضها البعض.