في إنجاز غير مسبوق نجح فريق من مهندسي جامعة ماساتشوستس أمهيرست الأميركية بابتكار يدعى العصبون الصناعي. وهو قادر على التواصل مباشرة مع خلايا الدماغ البشرية بطريقة أقرب إلى الطبيعية. وهذا يعتبر خطوة كبيرة تفتح الباب أمام جيل جديد من الأجهزة العصبية الذكية.
يقول الباحثون إن العصبون الصناعي الجديد يستطيع تبادل الإشارات الكهربائية مع الخلايا البيولوجية بجهد منخفض لا يتجاوز 0.1 فولت. وهو تقريباً نفس الجهد الذي تستخدمه الخلايا العصبية في الدماغ البشري، ما يجعل تواصله معها أشبه بـ الهمس مقارنة بالأساليب السابقة التي كانت أشبه بـ الصراخ وفقاً لما نشر في الدراسة.
جسر بين الدماغ والحاسوب
تصف الدراسة المنشورة في مجلة Nature Communications بتاريخ 29 سبتمبر من عام 2025م، هذا الابتكار بأنه خطوة نوعية تجعل الحواجز بين العقول البشرية والحواسيب أقل. حيث يقول البروفيسور جون ياو، وهو المشرف على الدراسة:
"النماذج السابقة من العصبونات الصناعية كانت تستخدم جهداً كهربائياً أعلى بعشر مرات، وتستهلك طاقة أكبر بمئة مرة مقارنة بما توصلنا إليه الآن. لقد صنعنا عصبوناً يستطيع أن يتحدث إلى خلايانا بالهدوء ذاته الذي تتواصل به داخل الدماغ".
يستطيع هذا العصبون كما أردفنا تبادل الإشارات الكهربائية بجهد لا يتجاوز الـ 100 ميلي فولت. وهو رقم قريب من جهد الخلايا العصبية الحقيقية الذي يبلغ حوالي 70 ميلي فولت في الراحة، و30 إلى 40 ميلي فولت أثناء النشاط. فالدماغ البشري يعالج كمية هائلة من البيانات، لكن استهلاكه للطاقة منخفض جداً، خاصةً مقارنةً بكمية الكهرباء اللازمة لتشغيل نموذج لغوي كبير كـ ChatGPT.
هذا التواصل الطبيعي يقلل من استهلاك الطاقة ويزيد من دقة الإشارات العصبية، مما يفتح المجال أمام تطوير أجهزة طبية دقيقة وأنظمة ذكاء اصطناعي أكثر شبهاً بالبشر.
السر في الأسلاك النانوية الحيوية
الاختراق تحقق بفضل استخدام أسلاك نانوية بروتينية (protein nanowires) تُنتجها بكتيريا معدلة وراثياً. وهذه البنى لأنها عضوية بطبيعتها، فهي تستطيع العمل في بيئات رطبة كبيئة الخلايا العصبية، مما يعني أنها ستكون أكثر توافقاً مع الأنسجة الحية من المكوّنات الإلكترونية التقليدية.
ويشرح البرفيسور جون ياو أن هذا النوع من العصبونات الصناعية يمكن أن يشكّل نواة لتقنيات جديدة في مجال يُعرف باسم الدمج العصبي الحاسوبي (neuromorphic integration)، وهو الاتجاه العلمي الذي يسعى إلى محاكاة طريقة عمل الدماغ البشري داخل الدوائر الإلكترونية.
ميزات هذا العصبون الصناعي
يرى الباحثون أن هذا العصبون الصناعي المبتكر قادر على إحداث تحول في تصميم الأجهزة الإلكترونية القابلة للارتداء.
فالأجهزة الحالية تحتاج عادةً إلى تضخيم الإشارات الحيوية التي تستقبلها من الجسم قبل أن تتمكن من تحليلها حاسوبياً، وهو ما يستهلك طاقة أكبر ويزيد من تعقيد الدوائر الإلكترونية.
أما باستخدام هذه العصبونات الصناعية منخفضة الجهد، فيمكن مستقبلاً الاستغناء عن مرحلة التضخيم تماماً، مما يعني أن الأجهزة ستصبح أخف وأكفأ وأطول عمراً.
مستقبل أفضل يجمع بين الذكاء الاصطناعي والدماغ البشري
إن ابتكار العصبون الصناعي هذا يعتبر خطوة إضافية نحو بناء أنظمة عقلية هجينة تجمع بين الذكاء الاصطناعي والدماغ البشري. وربما تمهّد الطريق لتقنيات تسمح مستقبلاً بدمجٍ آمن بين الخلايا العصبية والدوائر الإلكترونية كـ شريحة نيورالينك التي تزرع في الدماغ لتتيح قراءة الأفكار وتحويلها إلى أفعال على الحاسوب والغرسات الشوكية التي تتيح إعادة الحركة لمن تضرر النخاع الشوكي لديهم بشكل جزئي.
لكن العلماء يحذرون من أن الطريق ما زال طويلاً قبل أن يصبح هذا النوع من التكامل واقعاً عملياً في الطب أو الحوسبة العصبية.