أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

آخر الأخبار

كوكب المريخ: الكوكب الذي يطمح البشر لاستعماره!

يتصدر كوكب المريخ قائمة الكواكب التي تستحوذ على اهتمام الباحثين وعلماء الفلك حول العالم. فهذا الكوكب الأحمر رابع كواكب المجموعة الشمسية من حيث البعد عن الشمس؛ لا يمكن أن نعتبره مجرد جرم سماوي. إنما هو بوابة محتملة لمستقبل البشرية خارج الأرض.

فما الذي يجعله بهذه الأهمية؟ ولماذا تتوجّه نحوه التلسكوبات والمركبات الفضائية باستمرار؟ وهل يمكن للإنسان أن يصل يوماً ما إلى سطحه؟

صورة تظهر شكل كوكب المريخ كاملاً من الفضاء

هذه الأسئلة لم تعد ضرباً من الخيال العلمي، بل تحوّلت إلى مواضيع أبحاث جادة ومشاريع ضخمة تسعى لفهم بيئة المريخ. ولتحليل تركيب تربته ودراسة غلافه الجوي وحتى التخطيط لإرسال بشر للعيش فيه مستقبلاً.

في هذا المقال نأخذك في جولة علمية عبر أهم أسرار كوكب المريخ.. من خصائصه الجيولوجية إلى فرص وجود حياة على سطحه، مروراً بأحدث البعثات الاستكشافية التي تسعى لفك رموزه الغامضة.


لمحة شاملة عن كوكب المريخ

كوكب المريخ بالإنجليزية (Mars) هو رابع أبعد كوكب عن الشمس، يقع بين كوكب الأرض وكوكب المشتري. يدور حول الشمس في مدار إهليلجي يستغرق 687 يوماً أرضياً لإكمال دورة واحدة. ويدور حول محوره دورة كاملة كل 24 ساعة و37 دقيقة أرضية، وهذه المدة تعرف باسم اليوم المريخي.

يتميز المريخ بحجمه المتوسط؛ فهو يبلغ حوالي نصف حجم الأرض تقريباً. ويقدّر قطره بنحو 6,779 كيلومتراً، أما كتلته فهي تعادل 10.7% فقط من كتلة الأرض.

وربما أكثر ما يلفت انتباهك إليه هو لونه الأحمر المميز، والذي أكسبه لقب "الكوكب الأحمر"..

هذا اللون ناجم عن وفرة أكسيد الحديد (الصدأ) على سطحه، وهو ما يعكس الضوء بطريقة تجعله يبدو محمرّاً عند النظر إليه من الأرض. ولا يمتلك كوكب المريخ سوى قمرين صغيرين يدعيان فوبوس وديموس.


الخصائص الفيزيائية والبيئية للكوكب

يعد كوكب المريخ جيولوجياً أحد أكثر الكواكب تنوعاً من حيث التضاريس. ويضم أعلى جبل بركاني معروف في المجموعة الشمسية (أوليمبوس مونز) وهو يفوق ارتفاع جبل إيفرست بثلاثة أضعاف.

صورة جوية لجبل Olympus Mons على المريخ
صورة تظهر جبل Olympus Mons

يمتد على سطحه أخدود هائل يُدعى فاليس مارينيريس يفوق بطوله نهر الأمازون، ويُعتبر من أعمق الأخاديد المكتشفة خارج كوكب الأرض. وإلى جانب الجبال والفوهات تنتشر القمم الجليدية في قطبيه والتي تتكوّن من الجليد المائي وثاني أكسيد الكربون المتجمد ويتغيّر حجمها موسمياً.

صورة لأخدود Valles Marineris
أخدود Valles Marineris

أما الغلاف الجوي للمريخ فهو مكوّن بنسبة تزيد عن 95% من ثاني أكسيد الكربون، مع وجود كميات ضئيلة من النيتروجين والأرجون. ورغم وجوده إلا أنه غلاف جوي رقيق جداً؛ إذ تبلغ كثافته أقل من 1% من كثافة غلاف الأرض. وهو ما يعني أن قدرة البشر على التنفس هناك منعدمة وأن الحماية من الإشعاع الشمسي محدودة للغاية.

وعندما يتعلق الأمر بالطقس فإن كوكب المريخ معروف بتقلباته القاسية.. فمتوسط درجات الحرارة فيه تقارب 60- درجة مئوية وتنخفض في الليل إلى ما دون 100- درجة مئوية. ومع أن بعض أيامه قد تشهد دفئاً نسبياً عند خط الاستواء إلا أن العواصف الرملية العملاقة هي أكبر عقبة؛ فهي قادرة على تغطية الكوكب بالكامل وتستمر لأسابيع وهذا يؤثر على الرؤية والبعثات الفضائية.


المياه على سطح كوكب المريخ

إن كنت تعتقد أن كوكب المريخ كان يوماً ما كوكباً رطباً يشبه الأرض.. فنعم؛ الأدلة العلمية تشير بقوة إلى أن المياه كانت ذات يوم عنصراً أساسياً على سطحه. وقد نشرنا مسبقاً مقال بعنوان "المريخ القديم كان بارداً ورطباً" وهو مقال يتحدث عن دراسة حديثة تطرح سبب جديد للون المريخ الأحمر إضافة إلى استنتاج أنه كان يحتوي على الماء.

تشير الصور والتحليلات الطبوغرافية التي التقطتها مركبات ناسا، كمركبتي كوريوسيتي وبيرسيفيرانس إلى وجود مجاري أنهار قديمة وأودية عميقة. وهذا يدل على تدفق المياه السائلة في الماضي البعيد. وقد كشفت مركبة مارس إكسبريس التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية عن مؤشرات قوية على وجود بحيرات جوفية متجمدة تحت سطح القطب الجنوبي.

السؤال الآن.. هل توجد مياه على كوكب المريخ اليوم؟

الجواب هو: نعم، ولكنها في أشكال غير سائلة، فالمياه الحالية موجودة على شكل جليد وبشكل خاص في القطبين وتحت سطح الكوكب. وذلك استناداً إلى البيانات الرادارية التي أظهرت أدلة محتملة على وجود مياه مالحة سائلة في أعماق معينة وهو ما لا يزال قيد الدراسة.

تكمن أهمية هذه الاكتشافات في علاقتها المباشرة بفرص الحياة على كوكب المريخ. فالماء شرط أساسي لوجود الحياة كما نعرفها، كما أنه ضروري لأي مشروع مستقبلي لاستيطان الكوكب. ووجود المياه ولو بكميات محدودة يعني أن الإنسان قد يتمكن في المستقبل من الاعتماد عليها. سواء للشرب أو الزراعة وحتى لإنتاج الأوكسجين والوقود بدلاً من نقل كل شيء من الأرض.

وبالتالي لم يعد السؤال "هل وُجدت المياه على المريخ؟". بل أصبح: "إلى أي مدى يمكننا استخدامها لبناء مستقبل على الكوكب الأحمر؟"

 

فرص الحياة على الكوكب: هل وُجدت أدلة حقيقية؟

هل كان كوكب المريخ يحتضن حياةً في الماضي؟
يعتبر هذا السؤال محور الأبحاث الفضائية التي تستهدف الكشف عن وجود الكائنات الحية خارج الأرض.

فحتى الآن لم نعثر على حياة معقدة أو كائنات حية مباشرة على سطح المريخ. ولكن هناك أدلة غير مباشرة تشير إلى احتمالية وجود حياة ميكروبية. ومن أبرز هذه الأدلة هو اكتشاف غاز الميثان في غلافه الجوي وهو غاز يمكن أن ينتج من تفاعلات بيولوجية أو جيولوجية.

تذبذب مستويات الميثان التي رصدتها مركبات كمركبة بيرسيفيرانس يثير تساؤلات حول مصادره الحقيقية، وهو ما يجعل العلماء يواصلون البحث بشكل مكثف. إضافة إلى أنهم يدرسون التربة والغلاف الجوي بحثاً عن بقايا أو مؤشرات لكائنات ميكروبية قد تكون عاشت في أعماق التربة أو في بحيرات جوفية متجمدة، حيث يمكن أن تتوفر ظروف ملائمة للحياة.

 

بعثات استكشاف المريخ

بعثات استكشاف المريخ عديدة ومن أبرزها مركبة كوريوسيتي (Curiosity) التي هبطت على سطح المريخ عام 2012م. وكانت مهمتها دراسة تكوين التربة والصخور وتحليل إمكانية وجود بيئة مناسبة للحياة في الماضي. وقد تمكنت من إرسال بيانات هائلة عن تاريخ المريخ الجيولوجي.

ثم جاءت مركبة بيرسيفيرانس (Perseverance) عام 2021م حاملةً معدات متطورة للبحث عن علامات حياة ميكروبية سابقة. وجمعت أول عينات صخرية معدة للإرسال إلى الأرض. وقد زودت العلماء بفهم أعمق للبيئة وساعدت في اختبار تقنيات لإنتاج الأكسجين من غاز ثاني أكسيد الكربون الموجود في غلاف الكوكب.

ولم تكن هذه البعثات حكراً على وكالة ناسا فقط.. بل ساهمت عدة دول ووكالات فضاء أخرى كوكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء الروسية والصينية في إرسال مركبات ومسبارات تعزز فهمنا للكوكب الأحمر.

 

خاتمة

إن استكشاف كوكب المريخ ليس مجرد رحلة علمية إنما هو تأمل عميق في روعة الخلق الإلهي ودقة التوازن الكوني. فكل صخرة وكل ذرة غبار على سطحه تحكي قصة عن عظمة الخالق الذي بيده مدّ الأرض والسماء وخلق الأكوان بنظام محكم يفوق قدرة البشر على الإحاطة به.

رحلة البحث عن الحياة على المريخ هي امتداد طبيعي لفضول الإنسان. ولكنها أيضاً دعوة للتواضع أمام قدرة الله؛ الذي وهبنا العقل لنفهم جزءاً من هذا الإبداع الرباني.

وبينما نخطو خطواتنا الأولى نحو استيطان كوكب آخر يجب أن تظل أعيننا شاخصة نحو السماء.. مدركةً أن لكل نجم ومسافة وكل عالم معجزة تذكرنا بمدى اتساع قدرة الخالق وإبداعه في صنع عوالم لا تعدّ ولا تُحصى.

AYA BRIMO
AYA BRIMO